أمور خارجة مثل ما يظهر للبصر أو يقرع على السمع فإنّه قد يختطف الهمّ حتّى يتبعه ويتصرّف فيه ، ثم ينجرّ منه إلى غيره ، ويتسلسل فيصير النظر الأوّل باعثاً لفكر ، وذلك الفكر لآخر وهكذا. فعلاج هذا القسم بغضّ البصر واختيار مكان مظلم ضيّق خال عن الأشياء الملهية كما كان ذلك عادة لأكابر السلف.
وإمّا أمور باطنة في نفسه ، وهي أشدّ فإنّ من تفرّقت همومه وكثرت مشاغله وعلائقه في الدنيا لم ينحصر فكره في فنّ واحد ، بل لايزال يطير من جانب إلى آخر ، فلا يغنيه غضّ البصر وأخواته لكفاية ما وقع في القلب سابقاً في الهمّ.
وعلاجه ردّ نفسه قهراً إلى ما يشغلها به من غيره ويعينه بالإعداد له قبل التحريم بتجديد ذكر الآخرة وعظم خطر المقام بين يدي الله تعالى وهول المطّلع فيفرغ قلبه قبل التحريم عمّا يهمّه من أمور الدنيا فلا يترك لنفسه شيئاً يلتفت إليه ، فإن سكن داؤه بهذا الدواء والا فلا ينجيه الا المسهل الذي يقمع مادته من أعماق العروق بأن نظر فيما يصرفه من إحضار القلب ، ومآله إلى مهمّاته التي اهتمّ بها لأجل علائقه وشهواته فليعاقب نفسه بالنزوع عنها وقطعها لكونها مضادّة لدينه ومعاونة لعدوّه الذي هو الشيطان في إخراجه عن الجنّة التي يستحقّها بصلاته وهذا هو الدواء الحقيقي القامع للمادّة والنافع في قطع الشهوة القويّة التي لاتزال تجاذب وتجادل حتّى تغلب فتنقضي الصلاة في الجدال معها والا فالأوّل ينعف فيما يضعف من الشهوات والهموم الشاغلة لحواشي القلب ، فمن جلس تحت شجرة لمطالعة أو فكر يهتمّ به فإن أصوات العصافير تؤذيه وتشوّش عليه فكره ، فالأول بمنزلة تطهيرها بالعصا ، ثم إذا عاد إلى فكره عادت العصافير وهكذا ، والثاني بمنزلة قطع الشجرة فلا تعود العصافير أبداً ، وكذلك شجرة الشهوة إذا استقلت وتفرّعت أغصانها انجذبت إليها الأفكار انجذاب العصافير إلى الأشجار والذياب إلى الأقذار ،