روي أنّ النبيّ صلىاللهعليهوآله خطّ يوماً لأصحابه خطّاً وقال : هذا سبيل الله ، ثم خطّ خطوطاً عن يمينه وعن شماله وقال : هذه سبل على كلّ سبيل منها شيطان يدعو إليه ، ثمّ تلا هذه الآية :
( أنّ هذا صراطي مستقيماً فاتّبعوه ولا تتّبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله ). (١)
لكن الوسط الحقيقي صعب ، والثبات عليه أوصعب ، ولذا لما نزل ( فاستقم كما أمرت ) (٢) قال صلىاللهعليهوآله : « شيّبتني سورة هود » (٣) ، بل قيل : إنّ الصراط الموصوف بأنّه أدقّ من الشعر وأحدّ من السيف إشارة إليه ، ولذا امرنا بالدعاء له في قولة تعالى : ( إهدنا الصراط المستقيم ). (٤)
فإنّ لكلّ من هذه الأخلاق الأربعة طرفا (٥) افراط وتفريط ، وهما مذمومان ، والوسط في غاية البعد عنهما.
ولذا قال النبيّ صلىاللهعليهوآله « خير الأمور أوسطها ». (٦)
ومثاله : الخطّ الهندسي بين الظلّ والشمس لا من الظلّ ولا من الشمس.
والتحقيق أنّ كمال الآدمي ـ كما عرفت ـ في التشبّه بالمجرّدات وهم منفكّون عن هذه الأوصاف المتضادّة والانفكاك الكلّي ممتنع باليسبة إلى الانسان في أيّام حياته ، فكلّف بما يشبهه أعني الوسط ، فإن الماء الفاتر لا حار ولا بارد ، والعودي ليس بأبيض ولا أسود ، والبخل والتدبير من صفات الانسان ، فالمقتصد السخي لا بخيل ولا مبذّر ، فالصراط المستقيم هو الوسط
__________________
١ ـ الأنعام : ١٥٣ ، والرواية في الكشاف : ج٢ ، ص ٨٠ ، ذيل الآية.
٢ ـ هود : ١١٢.
٣ ـ مجمع البيان : ٥ / ١٩٩.
٤ ـ الحمد : ٦.
٥ ـ كذا ، والصحيح ، طرفي.
٦ ـ المحجة البيضاء : ٥ / ١٠٢ ، وفيه « أوساطها ».