فكما يجب حرامة الرأس والعين عن الالتفات إلى غير القبلة فكذا يجب حراسة القلب عن الالتفات إلى غير الصلاة بتذكيره اطّلاع الله عليه ، وقبح غفلة المناجي عمّن يناجيه ، سيّما إذا كان ملك الملوك وألزم الخشوع ، فإنّ الخلاص عن الالتفات لايتمّ الا به ، وخشوع الباطن يستلزم خشوع الظاهر كما قال النبي صلىاللهعليهوآله للذي رآه في صلاته عابثاً بلحيته : « أمّا هذا لو خشع قلبه لخشعت جوارحه » (١) فإنّها بمنزلة الرعية له وهي تحت حكم راعيها.
وفي الدعاء : « اللّهم أصلح الراعي والرعيّة » (٢) إشارة إلى القلب والجوارح ، فكما لايتمّ الاستقبال الظاهر الا بصرف الجوارح عن غير البيت فكذا لايتمّ الاستقبال القلبي إلى الله الا بالتفرّغ عمّا سواه.
وفي الخبر : أما يخاف الذي يحوّل وجهه في الصلاة أن يحوّل الله وجهه وجه حمار؟ (٣)
قيل : إنّه نهى عن الألتفات عن الله تعالى وملاحظة عظمته في حال الصلاة ، فإنّ الملتفت يميناً وشمالاً غافل عن الله وعن مطالعة أنوار كبريائه ، ومن كان كذلك فيوشك أن يدوم تلك الغفلة عليه فيحوّل وجه قلبه كوجه قلب الحمار في قلة عقله للأمور المعلومة وعدم فهمه للمعارف.
وأمّا القيام فهو وقوف بالشخص والقلب بين يديه تعالى ، فليكن رأسك الذي هو أرفع أعضائك مطرقاً مطأطأ تنبيهاً للقلب على لزوم التواضع والانكسار والتبرّي عن العجب والاستكبار ، وتذكّر خطر وقوفك في هول المطّلع عند التعرّض للسؤال وتذكّر في الحال قيامك بين يدي ذي الجلال واطّلاعه عليك في كلّ الأحوال ، فليكن قيامك بين يديه تعالى على مايليق بعظمته ، وإن عجزت عن معرفته فلا تجعله أهون من ملوك
__________________
١ ـ المحجّة البيضاء : ١ / ٣٨٩.
٢ ـ المحجّة البيضاء : ١ / ٣٨٩.
٣ ـ المحجّة البيضاء : ١ / ٣٨٢.