الدنيا ، بل عامله معاملتك معهم ، بل أنزله منزلة من يشاهدك وينظر إليك في صلاتك ممّن يتوقع منك الصلاح ، فإنك تخشع وتسكن فيها حتّى يكون لك موقع في نظره ، فما أقصر عرفان من خشع لغير الله ولم يخشع لجلاله وعظمته واطّلاعه على ضميره لعدم تدبّره في قوله تعالى :
( الّذي يراك حين تقوم * وتقلّبك في الساجدين ). (١)
وأمّا التوجّه بالتكبيرات فاستحضر عنده عظمته وجلاله وصغر نفسك في جنبهما وقصورك عن وظائف خدمته وإجلاله وتذكّر عظيم ملكه وعموم قدرته استيلائه على العالمين.
وإذا قلت : « لبّيك ... إلى آخره » ، مثّل نفسك بين يديه. وأعلم أنّه أقرب منك إليك يسمع نداءك ويستجيب دعاءك ، وأنّ خير الدنيا والآخرة بيده لا بيد غيره وأنّه خير محض لا شرّ في فعله ، وإذا قلت : « عبدك ... إلى آخره » ، اعترفت له بالعبوديّة وأنّه ربّك وخالقك ومالكك وموجدك وبه قوامك ، ومنه مبدؤك وإليه معادك وأنت صنيعه فلا يترك إحسانك والرحمة عليك ، فتوكّل عليه في أمورك ، ولا تعتمد الا عليه في مقاصدك فتفطّن لهذه الحقائق وترقّ منها إلى ما ينفتح عليك من الأسرار والدقائق.
وأمّا النيّة فقد عرفت معناها فاجتهد في خلوصها عن شوائب الأغراض فيفسد حقيقة إخلاصك ، وتذكّر عظم لطفه وامتنانه عليك ، حيث اذنك في المناجاة مع سوء أدبك وكثرة جنايتك ، وعظّم في نفسك قدر مناجاة ، وانظر مع من تناجي وماذا تناجي وكيف تناجي ، وعنده ليغرق جبينك من عرق الخجالة ويرتعد فرائصك من الهيبة.
وإذا كبّرت التحريمة تذكّر لمعناها وأنّه أكبر من يوصف أو من كلّ شيء وأن يدرك بالحواسّ ويقاس بالناس ، فانتقل منه أيضاً إلى جلاله وعظمته واستناد ما سواه إليه بالإيجاد ، وكن موقناً بذلك حتّى لايكذّب
__________________
١ ـ الشعراء : ٢١٨ ـ ٢١٩.