درجات الاستكانة فتمكّن الوجه الذي هو أعزّ عضو منك على أذلّ شيء أي التراب ، ولاتجعل بينهما حاجزاً بل اسجد على الأرض لأنّه أدلّ على الخضوع.
واعلم أنّك رددت الفرع إلى الأصل ، لأنّك خلقت من التراب ورددت إليه وعنده تجدّد ذكر جلاله وعظمته وتقول : سبحان ربّي الأعلى وتؤكّده بالتكرار تحصيلاً للرسوخ والدوام ، فإن رقّ قلبك فليصدق رجاؤك في رحمة ربّك ، لأنّ رحمته تتسارع إلى محلّ الذلّ دون الكبر والعجب ، فارفع رأسك مكبّراً مستغفراً وسائلاً حاجتك ، ثم أكّد التواضع بالتكرار وعد إلى السجود ثانياً.
قال علي عليهالسلام في معنى السجدة الاولى : « اللّهمّ إنّك منها خلقتنا » يعني من الأرض ، ورفع الرأس عنها « ومنها أخرجنا » ، والسجدة الثانية « وإليها تعيدنا » ، ورفع الرأس عنها « ومنها تخرجنا تارة أخرى ». (١)
وقال الصادق عليهالسلام : « فاسجد سجود متواضع لله ذليل علم أنّه خلق تراب يطأه الخلق وأنّه ركّب من نطفة يستقذرها كلّ أحد ، وقد جعل الله معنى السجود سبب التقرّب إليه بالقلب والسرّ والروح ، فمن قرب منه بعد عن غيره ... الحديث ». (٢)
فإذا جلست للتشهّد بعد هذه الدقائق المشتملة على الأخطار فاستشعر الخوف التاّم والوجل والحياء أن لايكون جميع ماسلف منك واقعاً على وجهه حاصلاً بوظائفه مكتوباً في ديون القبول ، فاجعل يدك صفراً من فوائدها وعد إلى مبدء الأمر وأصل الدين أعني كلمة التوحيد الذي هو الحصن الحصين واستمسك به في كلّ حين ، فاشهد لربّك بالوحدة على سبيل شهود اليقين واحضر ببالك رسوله الصادق الأمين ، واشهد بأنه
__________________
١ ـ الفقيه : ١ / ٣١٤ ، باب وصف الصلاة ، ح ٩٣٠ ، مع اختلاف.
٢ ـ مصباح الشريعة : الباب ١٦ ، في السجود ، مع اختلاف.