وبالجملة ؛ يشهد بتأثيره الكامل في القلب العقل والنقل والاعتبار ، إلا أن لها آداباً ظاهرة وباطنة.
فمن الأولى : الوضوء والوقوف على هيئة الأدب والطمأنينة قائماً كان أو جالساً ، مستقبل القبلة مطرقاً رأسه غير متربع ولا متكيء ، والترتيل والبكاء والجهر المتوسط لو أمن من الرياء ، وإلا فالسر ، وتحسين القراءة ، ومراعاة حق الآيات ، فإذا مر بآية السجود سجد ، وآية العذاب استعاذ ، وآية الرحمة طلب ، وآية التسبيح أو التكبير سبح أو كبر ، وآية الدعاء والاستغفار دعا واستغفر ، وافتتاح القراءة بالاستعاذة ، وعند الفراغ « صدق الله [ العلي ] العظيم وصدق رسوله الكريم » ، وسائر ما ورد من الأدعية المأثورة.
ومن الثانية : فهم عظمة الكلام وعلوه وفضل الله ولطفه بنزوله من عرش جلاله إلى درجة أفهام خلقه.
فانظر كيف لطف بهم في إيصال نبذ من آثار حكمته وعلمه إليهم في طي حروف وأصوات هي من صفات البشر ، ولولا استتار كنه جلاله بكسوة الحروف والأصوات لما ثبت لسماع كلامه العرش والثرى وما بينهما ، بل تلاشت من عظمته وسبحات نوره.
( لو أنزلنا هذا القرآن على جبل لرأيته خاشعاً متصدعاً من خشية الله ). (١)
فلو لا تثبيته لموسى عليهالسلام لم يطق سماع كلامه ، كما لم يطق الجبل مبادي تجليه حتى صار دكاً.
وهذا كما أن الانسان إذا أراد تفهيم الطيور أو البهائم بما يزيد على إقبالها وإدبارها وكان تمييزها قاصراً عن فهم كلامه الصادر عن عقله مع حسنه وترتيبه وبديع نظمه تنزل إلى درجاتها وأوصل مقاصده إليها بأصوات
__________________
١ ـ الحشر : ٢١.