مبيناً فمن تفرّغ قلبه عن الأسباب واعتزل عن الخلق بعد أن أتى بالخصلتين (١) استأنس روحه بالله ووجد حلاوة مخاطباته لعباده الصالحين ولطفه بهم ومقام اختصاصه بهم بقبول كراماته وبدائع إشاراته ، فإذا شرب من هذا المشرب كأساً لم يختر عليه شيئاً أصلاً ورأساً ، بل آثره على كلّ طاعة وعبادة ، لأنّ فيه مناجاة مع الربّ بلا واسطة ». (٢)
ولذا قال الصادق عليهالسلام : « كنت أردّدها حتّى سمعت من المتكلّم بها ». (٣)
ومنها : حضور القلب ، وهو يترتّب على التعظيم ، فإنّ من عظّم شخصاً لم يغفل عنه سيّما إذا كان كلامه ممّا يستأنس به القلب ويفرح.
ومنها : التدبّر زائداً على حضور القلب ، إذ التالي [ ربما ] لم يتفكّر في غيره ، ولكن اقتصر على سماعه من نفسه بدون تدبّر ، والمقصود هو التدبّر.
قال تعالى : ( أفلا يتدبّرون القرآن أم على قلوب أقفالها ). (٤)
وقال علي عليهالسلام : « لا خير في قراءة لا تدبّر فيها ». (٥)
وإن توقّف على التكرير والترديد ردّد كما حكيناه عن الصادق عليهالسلام وحكايته عن الأكابر كثيرة.
ومنها : التفهّم ، أي أن يستوضح من كلّ آية مايليق بها لاشتمال القرآن على ذكر صفات الله وأفعاله وأحكامه وأحوال النشأة الاخروية والقرون السالفة من الأنبياء والأمم وغير ذلك ، فإن مرّ بصفة تفكّر في معناها لينكشف
__________________
١ ـ المراد من الخصلتين خشوع القلب وفراغ البدن.
٢ ـ ففي الكافي عن جابر عن أبي جعفر عليهالسلام ، قال : قلت : إنّ قوماً إذا ذكروا شيئاً من القرآن أو حدّثوا به صعق أحدهم حتّى يرى أنّ أحدهم لو قطعت يداه أو رجلاه لم يشعر بذلك. فقال عليهالسلام : « سبحان الله ذاك من الشيطان ، ما بهذا نعتوا ، إنّما هو اللينوالرقّة الدمعة والوجل » (الكافي : ٢ / ٦١٦).
٣ ـ مصباح الشريعة : الباب ١٤ ، في قراءة القرآن مع اختلاف كثير وراجع المحجّة : ١ / ٣٥٢.
٤ ـ محمّد صلىاللهعليهوآله : ٢٤.
٥ ـ المحجّة البيضاء : ٢ / ٢٣٧.