المطعومات يؤدّي إلى تضاعف لذّتها وقوّتها وانبعاث ما كانت راكدة من الشهوات لو تركت على عادتها ، فلا يحصل تضعيف القوى الشهوية ، فلابدّ من التقليل حتّى ينتفع بصومه ، ولو جعل سرّه إدراك الأغنياء ألم الجوع والانتقال منه إلى شدّة حال الفقراء فيبعث على مواساتهم بالأموال والأقوات لم يتمّ أيضاً الا بالتقليل في الأكل ، وينبغي للصائم أن يكون قلبه معلّقاً بين الخوف والرجاء ، إذ لايدري أيقبل صومه أم لا ، وكذا في كلّ عبادة يفرغ منها.
روي أنّ الحسن عليهالسلام مرّ بقوم يوم العيد وهم يضحكون ، فقال : « إنّ الله جعل شهر رمضان مضماراً لخلقه يستبقون فيه لطاعته ، فسبق أقوام ففازوا وتخلّف أقوام فخابوا ، فالعجب كلّ العجب من الضاحك اللاعب في اليوم الذي فاز فيه المسارعون وخاب فيه المبطلون ، أما والله لو كشف الغطاء لاشتغل المحسن بإحسانه والمسيء عن إساءته » (١) أي يشغله سرور القبول وحسرة الردّ عن الضحك واللعب.
ثم للصوم درجات ثلاث ، أدناها صوم العموم ، أي كفّ البطن والفرج عن قضاء الشهوة ، وغايته سقوط العذاب والقضاء ، ثم صوم الخصوص ، أي كفّ جميع الجوارح عن المعاصي ، وعليه يترتّب ما وعد في الأخبار ، ثم خصوص الخصوص ، وهو الكفّ المزبور مع كفّ القلب عن الهمم الدنيّة والأخلاق الرذيلة ، والأفكار الدنيوية ، بل عمّا سواه تعالى بالكلّية ، ففطره بالالتفات إلى ما سواه تعالى. ( قل الله ثمّ ذرهم ). (٢)
وهو درجة الأنبياء والصدّيقين ، ويتفرّع عليه الوصول إلى الشهود والفوز بما لا عين رأت ولا أذن سمعت ، ولا خطر على قلب بشر.
وإليه أشار الصادق عليهالسلام حيث قال : « قال رسول الله صلىاللهعليهوآله الصوم جنّة أي
__________________
١ ـ المحجّة البيضاء : ٢ / ١٣٥.
٢ ـ الأنعام : ٩١.