أدناس كل خطيئة إذا فارقوا أبدانهم واتّصلوا بعالم القدس والمجرّدات صارت غلبتهم وإحاطتهم بهذا العالم أقوى ولهم التمكّن من التصرّف في عالم الملك وتغيّر أجزائه عن مقتضى طباعها بعد مماتهم ، كما كان في حال فهم ( أحياء عند ربّهم يرزقون * فرحين بما آتاهم الله من فضله ) (١) وذلك يوجب هبوب نسائم ألطافهم وفيضان رشحات أنوارهم على الخلّص من قاصديهم وزوّارهم وشفاعتهم في غفران ذنوبهم وستر عيوبهم وكشف كروبهم ، مع ما فيه من صلتهم وبرّهم وتجديد عهد ولا يتهم وإعلاء كلمتهم وتشميت أعدائهم.
وكيف لاتكون من أعظم القربات ولو لم يكن الا من حيث كونه زيارة المؤمن لأجل إيمانه لكفى في عظيم الأجر والثواب ، كما ورد به الحثّ الأكيد في أخبار العترة الأطياب ، وصارت زيارة الأحبّاء (٢) سنّة طبيعية متعارفة بين الشيخ والشابّ ، فكيف بزيارة المعصومين عن الخطايا والأدناس والمطهّرين عن المعاصي والأرجاس مع مالهم من الحقوق الكثيرة على الناس وتحمّلهم المشاقّ العظيمة في إرشاد الضالين وتنبيه الجاهلين مع كونهم أئمّة وقدوة للمسلمين ، حججاً من الله على العالمين والمخلوق لأجلهم الأرض والسماء وأبوابه التي منها يؤتى ، وأنواره التي بها يستضاء ، أدلّاء العباد وأمناء الله في البلاد والأسباب المتّصلة بينهم وبين ربّ الأرباب.
هذا مع ورود الأخبار الكثيرة عنهم في هذا الباب بما هي مذكورة في كتب المزارات للأصحاب.
فإذا عرفت فضل زيارتهم وما فيها من الأسرار فأكثر من التواضع والخشوع والأنكسار عند الدخول إلى مراقدهم الفائضة الأنوار وأحضر في
__________________
١ ـ آل عمران : ١٦٩ ـ ١٧٠.
٢ ـ في « الف » : الأحياء.