وولده ». (١)
والثامن : حبّ الشيء لذاته ، فيكون حظّه منه عين ذاته ، وهو الحبّ الحقيقي كحبّ الجمال والحسن ، فإن إدراك الجمال عين اللذّة الروحانية المحبوبة لذاتها ، وأمّا حبّه لقضاء الشهوة فهي من اللذّات الحيوانية ، ولذا يذمّ العشق الحاصل منه دون ماكان حاصله الابتهاج بإدراك الجمال ولا لتباسهما وقع الخلاف فيه ، والخضرة والماء الجاري محبوبان من نفس الرؤية دون إدراك حظّ آخر من الأكل والشرب ونحوهما ، كما كان يعجب بهما النبي صلىاللهعليهوآله .
وكذا النظر إلى الأزهار والأنوار والأطيار المليحة بل يزول به الغمّ والهمّ عن الانسان ، والجمال ليس مقصوراً على ما يدرك بانظر ، بل يقال : صوت حسن وريح طيّب ، ويقال أيضاً : خلق حسن وعلم شريف وسيرة حسنة ممّا لايدرك الا بالبصيرة الباطنة ، فهذه الخصال وأمثالها محبوبة للعقل بالطبع وصاحبها محبوب كذلك ، ولذا إنّ الطباع السليمة مجبولة بحبّ الأنبياء والأئمّة عليهمالسلام مع عدم مشاهدتهم بحسّ البصر ولا استماع كلامهم بل ربما يصل حبّهم إلى حد العشق فينفق ماله بل يبذل نفسه في نصرة مذهبه ونبيّه ويقاتل من يطعن فيه ، فالحامل على حبّهم صفاتهم الباطنة الراجعة إلى علمهم بوجوه الخيرات والشرور وقدرتهم على نشرها بين الناس وصرفهم إليها وعنها.
ولذا إنّه إذا وصف أحد بالشجاعة أو العلم أو الملك أو ملك بالعدل أحبّه المستمع حبّاً ضرورياً مع عدم رؤيته له ويأسه عن وصول نفع منه إليه ، وكذا لو وصف أحد حواسّه الظاهرة كان حبّه للمعاني الباطنة والموصوفين بها أكثر وأشدّ.
__________________
١ ـ راجع المحجة البيضاء : ٨ / ٤ ـ ٥.