قال الله تعالى : ( اعلموا أنّما الحياة الدنيا لعب ولهو وزينة وتفاخر بينكم وتكاثر في الأموال الأولاد ). (١)
ثم بعد هذا تظهر غريزة يدرك بها لذّة المعرفة ويستحقر معها ما قبلها ، إذ يظهر حبّ اللعب في أوّل سنّ التمييز ، وحبّ النساء في سنّ البلوغ ، وحبّ الرئاسة بعد العشرين ، وحبّ المعارف بقرب الأربعين ، وكلّ متأخّر أقوى فهي الغاية القصوى ، وكما أنّ الصبي يضحك على تارك اللعب وطالب الرئاسة يضحك على المشتغل بالنساء ، فطالب المعارف الحقّة يضحك على أبناء الدنيا ، كما أنّهم يضحكون عليه أيضاً ، ويقول لهم : ( إن تسخروا منّا فإنّا نسخر منكم كما تسخرون ) (٢) فلذّة المعرفة ومطالعة جمال الحضرة الربوبية والنظر في الأسرار الإلهية ألذّ من كل شيء يتصوّر ، وغاية مايعبّر عن هذه اللذّة أن يقال : فلا تعلم نفس ما أخفى لهم من قرّة أعين وأنّه أعدّ لهم ما لاعين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر ، وكيف لا يستحقر طالب هذه المعارف والواصل إلى مبادئها سائر اللذّات الدنيوية مع مايرى من انقطاعها بالموت وشوبها بالآلام والكدورات ، وخلوّ هذه عن هذه المزاحمات واتّساعها للمتواردين لاتضيق عنهم بكثرتهم ، فلايزال العارف في جنّة عرضها السماوات الأرض يرتع في رياضها ويقطف من ثمارها آمناً لا خوف عليه فيه ولا حزن يعتريه لأنّ ثمارها أبدية غير مقطوعة ، سرمدية غير ممنوعة لاتنقطع بالموت ، لأنّ محلّها الروح الذي هو أمر ربّاني ولا فناء له وإنّ غير الموت أحواله وقطع حجبه وشواغله. ( ولا تحسبنّ الّذين قتلوا في سبيل الله أمواتاً بل أحياء عند ربّهم يرزقون ). (٣)
لكن إدراك هذه اللذّة مخصوصة بمن نالها ، ولايمكن إثباته لمن لا قلب
__________________
١ ـ الحديد : ٢٠.
٢ ـ هود : ٣٨.
٣ ـ آل عمران : ١٦٩.