أحدهما : قطع العلائق وإخراج محبة غيره تعالى عن القلب فإنه كالإناء مالم يكن خالياً لم يتسع لوضع شيء فيه. ( ما جعل الله لرجل من قلبين في جوفه ) (١) فبقدر الاشتغال بغيره تعالى ينقص حب الله تعالى كما أنه بقدر ما بقي في الاناء من الشيء الذي كان فيه أولاً لايتسع لشيء آخر ، وإلى هذا التجريد والتفريد أشار تعالى بقوله : ( قل الله ثم ذرهم ). (٢)
وقد أشرنا فيما سبق إلى سبيل قلع حب الدنيا وعلائقها.
والآخر : قوة المعرفة واستيلاؤها على القلب وهي تجري مجرى إلقاء البذر في الأرض بعد تطهيره عن الحشيش ومهما حصلت المعرفة تتبعها المحبة ولايوصل إلى المعرفة بعد قطع العلائق إلا الفكر الصافي والذكر الدائم والجد البالغ والنظر المستمر في الله وصفاته وملكوت سماواته وسائر مخلوقاته والواصلون إليها بذلك على قسمين :
أقواهما من كان معرفته بالله تعالى أولاً ثم يعرف به غيره ، وأضعفهما العكس ، وإلى المرتبتين أشير في الكتاب الإلهي :
( سنريهم آياتنا في الآفاق وفي أنفسهم حتى يتبين لهم أنه الحق أو لم يكف بربك أنه على كل شيء شهيد ). (٣)
وقال السجاد عليهالسلام : « بك عرفتك وأنت دللتني عليك ... ولولا أنت لم أدر ما أنت ». (٤)
وقال أبوه عليهالسلام : « كيف يستدل عليك بما هو في وجوده مفتقر إليك أيكون لغيرك من الظهور ما ليس لك حتى يكون هو ألمظهر لك ». (٥)
وهذا وإن كان غامضاً صعباً على أفهام الاكثرين فالآخر متسع
__________________
١ ـ الأحزاب : ٤.
٢ ـ الأنعام : ٩١.
٣ ـ فصلت : ٥٣.
٤ ـ مفاتيح الجنان : دعاء أبي حمزة الثمالي.
٥ ـ مفاتيح الجنان : ذيل دعاء عرفة.