الأشياء إنّما يكون بتفاوت أسبابها وليس حظّ الأكثر من المعرفة الا تلفيق بعض ماقرعه (١) سمعهم من الأسماء والصفات وحفظه فربّما تخيّلوا لها مايتعالى عنه الربّ تعالى وهؤلاء الضالون ، وربّما آمنوا بها إيمان تسليم من دون تصوّر معنى صحيح أو فاسد فاشتغلوا بالعمل ولم يبحثوا عن المعنى وهؤلاء الناجون السالمون ، والعارفون بالحقائق هم المقرّبون ، فالفرق في المعرفة الحاصلة لهم بالإجمال والتفصيل ، فالعامي ومن يتلوه يعلم حسن صنع الله وإحكامه وإتقانه إجمالاً ، ويعتقد ذلك ولأجله يحبّه أيضاً ، والبصير العارف يطالع تفصيل صنع الله فيها حتى يرى في البعوض مثلاً من العجائب مايبهر به عقله ويتحيّر فيه لبّه وتزداد بذلك لامحالة عظمة الله وجلاله في قلبه ، ثم تزداد بسبب ذلك حبّه له.
وقد عرفت أن هذا الاطّلاع التفصيلي بحر لا ساحل له ، فلا جرم يتفاوت بتفاوت مراتب العلم والمعرفة مراتب المحبّة لا أصلها.
ومن جملة أسباب أختلاف مراتب الحبّ اختلاف أسبابه المشار إليها في صدر المبحث ، فإنّ حبّه تعالى لأجل نعمته وإحسانه ربّما يتغيّر بتغيّر الإحسان فلا يتساوى حبّه في حالتي الشدّة والرخاء والسرّاء والضرّاء.
وأمّا من يحبّه لذاته تعالى ولكونه مستحقّاً للحبّ بسبب كماله وجماله وعظمته فلا يتفاوت أصلاً ، وقس على ذلك سائر الأسباب. والتفاوت في المحبّة سبب للتفاوت في السعادة الاخروية.
( وللآخرة أكبر درجات وأكبر تفضيلاً ). (٢)
تلميع
من الضروريات الأوليّة كون الباري تعالى من أجلى الموجودات
__________________
١ ـ كذا في النسخ ، والظاهر : « الا تلقّن بعض ما قرع سمعهم » كما يظهر من المحجّة البيضاء : ٨ / ٥٠.
٢ ـ الإسراء : ٢١.