فيظهر شيئاً من غير اختيار واكتساب فهو معذور ، لأنّه مقهور وليس طاقة الناس على نمط واحد ، فالقادر على الكتمان يقول :
وقالوا قريب قلت ما أنا صانع |
|
بقرب شعاع الشمس لو كان في حجري |
فمالي منه غير ذكر بخاطري |
|
يهيج نار الحبّ والشوق في صدري |
والعاجز عنه يقول :
ومن قلبه مع غيره كيف حاله |
|
ومن سرّه في جنبه (١) كيف يكتم |
على أنّ العارف لو كان صادقاً في عرفانه وعرف أحوال الملائكة في حبّهم الدائم وشوقهم اللازم الذي به يسبّحون الليل والنهار لايفترون لاستنكف عن نفسه ومن إظهار حبّه وقطع بأنّه من أخسّ المحبّين في مملكته ، وكذا لو عرف أحوال الأنبياء والأولياء وما اعترفوا به من العجز والقصور لخرس لسانه عن التظاهر بدعوى المحبّة ، فسبحان من لا سبيل إلى معرفته الا بالعجز عن معرفته.
ومن علامات المحبّة : الرضا وقد تقدّم ، والأنس وسيأتي.
وبالجملة ؛ جميع محاسن الدين ومكارم الأخلاق من ثمرات الحبّ ، وقد جمع بعض العرفاء علامات الحبّ في عدة أبيات فقال :
لاتخد عنّ فللمحبّ دلائل |
|
ولديه من تحف الحبيب وسائل |
منها تنعّمه بمرّ بلائه |
|
وسروره في كلّ ما هو فاعل |
فالمنع منه عطية مقبولة |
|
والفقر إكرام وبرّ عاجل |
ومن الدلائل أن يرى من عزمه |
|
طوع الحبيب وإن ألحّ العاذل |
ومن الدلائل أن يرى متبسّما |
|
والقلب فيه من الحبيب بلابل |
__________________
١ ـ في الإحياء (٤ / ٣٣٧) : جفنه.