هو إذا وقف على حدّ خاص من عدم الإدراك وبقي على تلك الحالة مدّة من الزمان.
ولعلّ توالي لطائف الإشراقات والابتهاجات وعدم انقطاع مراتب ترقّيات العبد وتجلّيات المعبود لايبقي له ألماّ ، إذ لا يزال اللذّة والنعيم يتزايد له أبدالآباد.
فالبهجة الحاصلة له في كل آن بالفعل واللذّة المتجدّدة من غير انقطاع تشغله عن الإحساس بألم مالم يدركه ، فإن أمكن حصول الكشف في الآخرة فيما لم يحصل أصله في الدنيا من المعارف فيتجدّد له فيها ويتوارد عليه منها على سبيل الاستمرار من غير زوال ولا انقطاع.
وربما كان في قوله تعالى : ( نورهم يسعى بين أيديهم وبأيمانهم يقولون ربّنا اتمم لنا نورنا ) (١) إشارة إليه ، وإن اختصّت النعم الاخرويّة وأنوار تلك النشأة بما تزوّد أصلها في الدنيا وامتنع حصولها مالم يحصل له فيها ، وإن تغايرا في الكيف كان الكمّ متناهياً في الآخرة لتفرّعه على المتناهي الذي حصل له في الدنيا ، الا أنّ الكيف الذي هو من فيوض الوّهاب المطلق وفنون أنواره وتجلياته الباقية الصافية مجازاة لما اكتسبه في دار الدنيا من المعرفة المتناهية الكدرة الناقصة المشوبة بأنواع الشوائب غير متناه كما أشرنا إليه.
ولعلّ الظاهر من الآية هذا الذي أوضحناه أخيراً فيكون المراد من إتمام النور إفاصة فنون النكشافات وكيفيّات التجلّيات تفضّلاً منه تعالى عليه.
قيل : ويشهد للأخير قوله تعالى : ( انظرونا نقتبس من نوركم قيل ارجعوا وراءكم فالتمسوا نوراً ) (٢) فافهم.
ولا يمكن تعيين الأصل الذي ترتّب عليه الغير المتناهي من الأنوار كيفاً
__________________
١ ـ التحريم : ٨.
٢ ـ الحديد : ١٣.