والإشارقات ، فادّعاء التناهي في الثاني دون الأوّل غير معقول ، الا أن يقال : إنّ عدم تناهي المعلومات النكشافات ممّا لا يستريب فيه أحد وهو ما حكمنا بعدم تناهيه.
والمراد من الأوّل الذي حكم فيه بالوصول إليه في الآخرة هو أنّ المرتبة الحاصلة للعارف في دار الدنيا من المعرفة حيثما هي حاصلة له متكدّرة بنوع من الظلمة تزول بالممات وتتبدّل بنوع أجلى من الانكشاف ، وهذا هو الذي يشتاق إليه ويصل إليه بالموت ، وهذا وإن كان صحيحاً ، الا أنّه مضافاً إلى أنّه حينئذ سكون لا حركة فيه ، والمطلوب من هذه المقامات حصول سير تدريجي للسالك من المباديء إلى الغايات.
يرد عليه أنّ ما يتيقّن الوصول إليه جنس النكشاف المغاير للانكشاف الحاصل له في الدنيا وكونه أشرف وأبهى وأكمل وأسنى ، الا أنّ له في جنسه مراتب لاتتناهي في كيفيّة التجلّيات والنكشافات والترقّيات الحاصلة له في الآخرة كعدم تناهي المعلومات ، فتفطّن.
فإن قلت : الشوق هو الميل إلى شيء غير مدرك كما ذكرت وهو لايخلو عن ألم والآخرة دار الراحة والأمن ن الآلام فكيف يتصوّر فيها الشوق المحرق المؤلم للقلب؟
قلت : أمّا أوّلاً : فالمراد من الشوق الذي نبحث عنه هنا وندّعي عدم تناهيه مايحصل للعبد في دار الدنيا كما أشرنا إليه حتى يحصل منه السير ويترتّب علي الكمال الاكتسابي الصناعي ، والمراد من عدم تناهيه عدم وقوفه إلى حدّ يقف عنده ، وهو وإن كان موجباً للألم من الجهة التي ذكرت ، الا أنّ لهذا الألم مع كونه ألماً لذّة غريبة لايدركها الا من أدرك حقيقة الحبّ والعشق وأدرك لذّتهما مع أنّ الدنيا سجن المؤمن ودار ألمه واحتراق قلبه.
وأمّا ثانياً : فلو فرض ذلك في الآخرة أيضاً لم يبعد أن يكون الشوق شوقاً لذيذاً لايظهر فيه الألم لحصول أصل الوصال ، وكون الشوق مؤلماً إنّما