إلى الله ثابت للمشتاقين ، ممكن في حقّ غيرهم بجميع ما ذكر ، فإنّ ما يتضح للعارف من المعارف الالهية.
[ وإن اتّضح لديه في الدنيا الا أنّك عرفت أنّه لا يحصل له النكشاف التامّ الرافع لمطلق الأستار والحجب الا في الآخرة ، لكونه في الدنيا مشوباً بأنواع الكدورات والمنغّصات ، فيشتاق إلى الوصول إلى تلك المرتبة العالية التي لايتصوّر بالنسبة إليه ما هي فوقها ، وأيضاً قد عرفت أنّ المعارف الالهيّة ] (١) وصفات كماله وجماله وجلاله ممّا لا نهاية لها ، والذي ينكشف للعارف شيء متناه قليل جدّاً بالإضافة إلى ما لم ينكشف ، مع علمه إجمالاً بوجوده فلايزال متشوّقاً إليه.
قال أبو حامد ما ملخّصه : إنّ الشوق الأوّل ربما انتهى في الآخرة إذا حصل اللقاء بخلاص النفس عن ظلمة البدن وحصول تمام التجرّد لها عن العلائق المادية ، بخلاف الثاني ، إذ نهايته كشف مثل معلوماته تعالى عليه وهو محال ، لأنّها غير متناهية فيمتنع الإحاطة بها ، بل لايزال عالماً بوجود درجات غير متنناهية فوق درجاته ويشتاق إلى الوصول إليها فلا ينتهي شوقه لعدم انتهاء متعلّقه. (٢)
أقول : ادّعاء الفرق بين الكمّ والكيف في التناهي وعدمه لايخلو عن نظر قد أشرنا إليه سابقاً ، فإنّ زيادة الانكشاف والإشراق إنما تكون بكثرة المعارف والمعلومات.
فإذا كانت غير متناهية كانت مراتب المشاهدات والانكشافات كذلك أيضاً ، فلايزال متشوّقاً إلى المراتب الانكشاف المعلومة له إجمالاً كتشوّقه إلى علله.
وبالجملة ، فكما أنّ المعلومات غير متناهية فكذا التجلّيات
__________________
١ ـ ما بين المعقوفتين في هامش « ج » فقط ولابدّ منه لارتباط كلام أبي حامد به.
٢ ـ المحجّة البيضاء : ٨ / ٥٦ ـ ٥٧.