المال أو الشهوة أو الجمال ، أو يقحم نفسه في شدائد المصائب ومكاره النوائب تعصّباً عن الأتباع والأقارب ، أو يعتمد على تكرّر الغلبة الحاصلة له في سوالف الأيام ، فلا يبالي على ما اعتاده من الاقدام مع أنها ناشئة إمّا عن الجبن أو الشره أو عن طبيعة القوّة والقدرة أو عن قلّة العقل والحماقة ، والشجاع الحقيقي من صدر فعله عن الحكمة ، ويكون الباعث على فعله نفس فضيلة الشجاعة ، فربّما كان الحذر عن بعض النوازل لازماً أو راجحاً عند الحكيم العاقل ، فيكون ممّا يناقضها (١) وينافيها ، وربما انعكس الأمر فيكون مما تقتضيها (٢) فهو لا يحذر الا عن نقصان دينه وشهامة ذاته (٣) ، ولايبالي بعد ذلك عن حياته ومماته ، ويجتنب عن زوال شرعه ولحوق عاره وهتك حرمته وشعاره ، ويرغب في طاعة ربّه ووليّ نعمته وحماية شريعته والذبّ عن شعائر الاسلام وحرمته ووقاية أهل ملته ولو بسفك دمه وقتل عترته وسبي ذريته ، كما وقع لسيّد الشهداء عليهالسلام وأصحابه البررة السعداء عليهم أفضل التحيّة والثناء ، ايثاراً للذكر الجليل والأجر الجزيل والثناء الجميل على الحظّ الناقص القليل ، وترجيحاً للسعادة الأبديّة على النعمة الفانية الدنيوية المشوبة بالذّل والهوان والكدورات المتجدّدة آناً بعد آن.
وبالجملة فالشجاع ساكن وقور متحمّل صبور مستخفّ بما يستعظمه الجمهور غير مضطرب من شدائد الدهور وعظائم الامور ، ذوهمّة عليّة وبصيرة جلية مقصور غضبه على مقتضى الفكر والروية.
وأما العدالة فربما يتكلف في تقلد ما لها من الآثار والأعمال وتجشم الزهد والعبادة وإظهار الفضل والكمال لجلب القلوب وتحصيل الجاه أو المال ، مع أنها كما عرفت ملكة راسخة حاصلة من استجماع الفضائل وسلب النقائص والرذائل ورفع التنازع بين القوى وتسالمها في الآراء
__________________
١ ـ كذا ، والصحيح : ممّا لا يناقضها ولا ينافيها ، أي الحذر حينئذ لاينافي الشجاعة.
٢ ـ كذا ، والصحيح : ممّا يناقضها.
٣ ـ كذا.