( وسلام عليه يوم ولد ) (١).
واحتمل من إخوة يوسف نيف وأربعون خطيئة في عشرين آية جمعها بعض العلماء فغفرت لهم ، ولم يحتمل من عزير مسألة سألها في القدر حتّى قيل له : لأمحونّ اسمك من ديوان النبوّة ، ولم يحتمل من بلعم بن باعورا مع ما كان عليه من الرتبة العظيمة في العلم خطيئة واحدة حتّى طرد ولعن ، واحتمل من آصف بن برخيا ما احتمل.
فقد روي أنّه تعالى أوحى إلى سليمان : يا رأس العابدين ويا ابن محجّة الزاهدين إلى كم يعصيني ابن خالتك آصف وأنا أحلم عنه مرّة بعد مرّة ، فوعزّتي وجلالي لئن أخذته عطفة من عطفاتي (٢) عليه لأتركنّه مثلة لمن معه ونكالاً لمن بعده ، فأخبره سليمان بذلك فعلا على كثيب من رمل ورفع رأسه ومدّ يده إلى السماء وقال : إلهي وسيّدي! أنا أنا وأنت أنت ، وكيف أتوب إن لم تتب عليّ ، وكيف أستعصم إن لم تعصمني ، فوعزّتك وجلالك إن لم تعصمني لأعودنّ ثم لأعودنّ ، فأوحى الله إليه : صدقت يا آصف أنت أنت وأنا أنا ، استقبل التوبة عليّ فقد تبت عليك وأنا التوّاب الرحيم (٣).
والقصص الواردة في القرآن من جملة فوائدها تعريف سنّته وعادته الجارية في الأمم الخالية ، فما فيه من شيء الا وهو نور وهدى ولو تأمّلت كلمات أئمّتك السادة الأطيبين أيضاً في أدعيتهم ومناجاتهم عرفت شرذمة ممّا فيها من الإشارة إلى المقامات العالية المختلفة التي كانوا عليها من الخوف والرجاء والحبّ والعجز والهرب منه إليه والبسط والإدلال أو الفناء في التوحيد وغير ذلك من الأسرار الغريبة التي لايدرك حقائقها الا المتخاطبان بها ، فعليك إن كنت سالكاً حريصاً على المعارف الحقّة بالتفكّر في كلام
__________________
١ ـ مريم : ١٥.
٢ ـ كذا ، وفي المحجة : « غضبة من غضباتي » ، وفي الإحياء (٤ / ٣٤٢) : عصفة من عصفاتي.
٣ ـ المحجّة البيضاء : ٨ / ٨٤.