والاحتراز عن مناقضاته ، فكذا يمكن بالسعي في إفناء ضدّه وكسر صولته وإزالة شوكته بالرياضة والمجاهدة ، فإنّه كما يوجب تقوّي أحد المتعاندين ضعف الآخر ، فكذا السعي في قلع الآخر وقمعه يوجب تقوّيه المستلزم لبقائه بلامزاحم يعوقه عن عمله وتدبيره المفوّض إليه ، وهو إنما يتحقّق بإعمال القوى والآلات في آثار فضائل الملكات من شرائف الأعمال ومحاسن الأفعال وعدم إهمالها حتّى تستريح وتكسل فيما هو مفوّض إليها من الأشغال.
ومبالغة القوم في سلوك هذا الطريق أكثر واهتمامهم فيه أشدّ وأوفر ، فإنّ إهمام القوّة النظريّة عن النظر في الحقائق العلميّة يؤدي إلى البله والبلادة وانقطاع موادّ عالم القدس عنه ، وتعطيل القوّة العملية عن الأعمال الفاضلة يوجب الف النفس بالكسل والبطالة وانسلاخه عن الصورة الانسانية والرجوع إلى المرتبة البهيميّة ، وهو الانتكاس الحقيقي ، وإعمالهما يوجب تصقيلاً لمرآة قلبه على سبيل الاستمرار ، فيترقّى يوماً فيوماً بقبولها للصور العالية وتمكّنها من تحصيل المجهولات النظريّة وتذكار معلوماتها الفعلية على سبيل القدرة والاختيار ، ويبعد عن آفة النسيان ويتشرّف بشرف المشاهدة والعيان.
ومن كثرة الأعمال الصالحة الموجبة لاستحكام الملكات الفاظلة وشدّة ارتباطه ولاعلاقته بها يبعد عن آفة النقص والزوال والتبدّل بما يضادّه من الأعمال ، لكن يجب أن يكون أعماله المذكورة طرّاً منوطة بالفكر والنظر الدقيق ، ملحوظة بعين التحقيق حتّى لايغفل عمّا هو بصدده من ارتكاب الفضائل واجتناب الرذائل ، فلو غفل وصدر عنها ما يخالفه أدّبها بارتكاب ضدّه بعد لومه وتوبيخه ، فلو أكل ما يضرّه أدّب نفسه بالصوم ، أو غضب في غير محله أدّبها بايقاعها في مثله مع الصبر ، أو ارتكاب ما يشقّ عليها من الصدقة والنذر ، أو عرّضها لاهانة السفهاء كسراً لجاهها ، ولابدّ له من