القلوب.
والتحلّي بما يقابلها من الفضائل حتّى ينفتح له باب التوفيق والوصول إلى المطلوب ، وبهذين يزول ملكيّته للقلوب وسلطنته عليها ، وتنقطع تصرّفاته الدائمية فيها ، لكن تبقى خطراته واختلاساته.
فبالمداومة على الأذكار القلبيّة واللسانية يحصل له أثر كلّي في دفعها ولا أقلّ من ضعفها وقلّتها ، لكنّها تنفع بعد الأولين ، ولو لاهما كانت حديث نفس لم يندفع بها تسلّطه وملكيّته ، فإنّ قولك للكلب الجائع « اخسأ » إنّما ينفع إذا رأى معك مايزجره ويؤذيه ، ولم يكن معك ما يميل إليه ويشتهيه. على أنّها من الفضائل التي لاينفع التحلّي بها الا بعد التخلّي عمّا يقابلها ، كما لا ينفع الغذاء المقوّي الا بعد نقاء البدن عن الأخلاط الفاسدة.
قال تعالى : ( إنّ الّذين اتّقوا إذا مسّهم طائف من الشيطان تذكّروا فإذا هم مبصرون ). (١)
ولو نفعت في دفع سلطنته لكان أولى الأذكار أعني الصلاة به أحرى ، مع أنّ تسلّطه فيها على القلب ومزاحمة جنوده وتقلّبهم ذات اليمين وذات الشمال أشدّ وأقوى.
ثمّ إنّ للذكر مراتب أربعة :
أحدها : اللساني فقط.
وثانيها : ما يسري إلى القلب مع عدم التمكّن منه ، بحيث يحتاج إلى مراقبته حتّى يحضر معه ولو خلاه استرسل في أودية الخواطر.
وثالثها : هو مع التمكّن بحيث لا يصرفه عنه بسهولة.
ورابعها : تمكّن المذكور في القلب بحيث لايلتفت إلى نفسه ولا إلى الذكر ، بل يستغرق في المذكور ، ويكون التفاته إلى الذكر حجاباً شاغلاً.
__________________
١ ـ الأعراف : ٢٠١.