العلّة التامّة لو جاز عدم المعلول فليفرض عدمه في وقت ووجوده في آخر ، فاختصاص أحد الوقتين بالوجود والآخر بالعدم إمّا أن يفتقر إلى مرجّح غير الأوّل أو لا ، فإن كان الأوّل لم يكن المرجّح المفروض أوّلا تامّا وقد فرضناه تامّا ، هذا خلف ، وإن كان الثاني لزم الترجيح بغير مرجّح وهو محال ، وإن كانت العلّة التامّة حادثة افتقرت إلى علّة أخرى ، وتلك العلّة إمّا قديمة فيلزم قدم الحادث أو محدثة فيلزم التسلسل (١).
قال :
ولأنّه ممكن أزلا فواجب وإلّا لكان محالا وجوده أزلا.
أقول :
هذه هي (٢) الشبهة الثانية وتقريرها أن نقول : إنّ العالم ممكن الوجود في الأزل ، وإذا كان ممكن الوجود في الأزل كان واجب الوجود في الأزل. أمّا المقدّمة الأولى فلأنّه لو لم يكن ممكن الوجود في الأزل لكان إمّا واجب الوجود في الأزل أو ممتنع الوجود في الأزل ؛ فإن كان الأوّل لزم قدم العالم ، وإن كان الثاني استحال وجود العالم فيما لا يزال لاستحالة انتقال الشيء من الامتناع إلى الإمكان. وأمّا المقدّمة الثانية فلأنّه لو كان العالم محدثا لاستحال وجوده في الأزل لأنّ المحدث هو المسبوق بالغير ، والأزلي هو الذي لا يسبقه غيره فالجمع بينهما محال. فظهر أنّه
__________________
(١) انظر شرح الإشارات ٣ : ١٣١ ، تهافت الفلاسفة : ٥٠ ، المطالب العالية في العلم الإلهي ٤ : ٤٦ ، شرح المواقف ٧ : ٢٢٩ ، أنوار الملكوت في شرح الياقوت : ٣٩ ، شرح الأصول الخمسة : ١١٥ ، تلخيص المحصّل : ٢٠٥ ، شرح المقاصد ٣ : ١٢٠ ، نهاية المرام في علم الكلام للمصنّف ٣ : ١٣٦.
(٢) (هي) ليست في «أ» «ر».