لو كان محدثا لاستحال وجوده في الأزل ، ولو (١) استحال وجوده في الأزل لم يكن ممكن الوجود في الأزل ، وقد بيّنّا أنّه ممكن الوجود في الأزل ، هذا خلف (٢).
قال :
ولأنّه لا بدّ له من حامل.
أقول :
هذه هي الشبهة الثالثة ، وتقريرها : أنّ كلّ محدث فإنّه لا بدّ وأن يكون قبل حدوثه ممكن الوجود لما بيّنّا ، فإمكان الوجود سابق على وجود الحادث ، ولا يجوز أن يكون أمرا عدميّا وإلّا لما بقي فرق بين عدم الإمكان وبين إمكان (٣) معدوم ، هذا خلف ، فهو معنى ثبوتيّ.
ولا يجوز أن يكون هو قدرة القادر عليه لأنّا نقول : إنّما كان القادر قادرا على الفعل لأنّه ممكن ، فلو كان الإمكان هو نفس القدرة كان (٤) تعليلا للشيء بنفسه فهو مغاير للقدرة ، وهو إمّا جوهر أو عرض ؛ والأوّل محال لأنّ الإمكان إنّما يعقل بين شيئين فهو من الامور النسبيّة ، والجوهر ليس من الأمور النسبيّة ، فالإمكان ليس بجوهر فهو عرض لا بدّ له من محل ، ومحلّه إن كان محدثا لزم افتقار المحلّ إلى محلّ آخر ، ويتسلسل فهو قديم وهو المادّة.
__________________
(١) في «ف» : (فلو).
(٢) انظر شرح الإشارات ٣ : ١٣٢ ، تهافت الفلاسفة : ٥٢ ، المطالب العالية في العلم الإلهي ٤ : ٨٩ ، نهاية المرام في علم الكلام للمصنّف ٣ : ١٣٧.
(٣) في «ف» : (إمكانه).
(٤) في «س» : (لكان).