أقول :
اختلف الناس في أنّه تعالى هل هو قادر على كلّ مقدور أم لا؟ فأثبته جماعة (١) ونفاه أكثر المعتزلة والفلاسفة والمجوس والصابئة والثنويّة (٢) ، ومن أصحابنا السيّد المرتضى والشيخ أبو جعفر الطوسي (٣).
والحقّ عندي هو الأوّل ويدلّ عليه وجهان :
الأوّل : إنّ علّة صحّة تعلّق قدرة الله تعالى بالأثر إنّما هي الإمكان ، وبيانه : أنّ الماهيّة إمّا أن تكون واجبة أو ممتنعة أو ممكنة ، وعلى التقديرين الأوّلين يستحيل تعلّق القدرة بها فلم (٤) يبق إلّا الثالث فعلمنا أنّ علّة صحّة التعلّق إنّما هي الإمكان.
لا يقال : إنّ الصحّة أمر عدميّ فلا تعلّل ، وأيضا قولكم : الماهيّة إمّا أن تكون واجبة أو ممكنة أو ممتنعة وعلى تقدير وجوبها وامتناعها لا يصحّ تعلّق القادر بها فلم يبق لصحّة (٥) التعلّق علّة سوى الإمكان مغالطة ؛ لأنّ الماهيّة وإن كانت لا تخلو
__________________
(١) مثل الشيخ المفيد في النكت الاعتقاديّة : ٢٣ ، والمحقّق الحلي في المسلك في أصول الدين : ٥٢ و ٨٠ ، والبحراني في قواعد المرام في علم الكلام : ٩٦ ، والقاضي ابن البراج في جواهر الفقه : ٢٤٥ ، والمصنّف في شرح التجريد (الزنجاني) : ٣٠٨ ، وفي طبعة الآملي : ٣٩٥.
(٢) حكى ابن ميثم البحراني في قواعد المرام في علم الكلام : ٩٦ ذلك عن الجبائيين والبلخي وعباد الضميري ، وحكى ذلك عن الفلاسفة والمجوس والصابئة والثنوية المصنّف في شرح التجريد (الزنجاني) : ٣٠٨ ، وفي طبعة الآملي : ٣٩٥.
(٣) قال الشيخ الطوسي في الرسائل العشر : ٩٤ الله تعالى قادر على كلّ مقدور ، وعالم بكلّ معلوم ، بدليل أن نسبة المقدورات والمعلومات إلى ذاته المقدّسة على السويّة ، فاختصاص قدرته وعلمه تعالى بالبعض دون البعض ترجّح من غير مرجّح ، وذلك محال على المعبود. وقال السيّد المرتضى في الملخّص في أصول الدين : ٣٣١ إنّه تعالى يقدر على كلّ جنس من المقدورات.
(٤) في «ف» : (لم).
(٥) في «ر» : (بصحّة).