أمّا إنّ الصارف موجود فلأنّ (١) الصارف عنه هو علمه بالقبيح (٢) والغنى عنه ، والله تعالى عالم بكلّ المعلومات ، غنيّ عن كلّ شيء ، وإنّما كان الصارف ذلك ، لأنّا نعلم بالضرورة أنّ من علم قبح أمر وكان غنيّا عنه استحال وقوعه منه إذا كان حكيما.
وأمّا إنّ الداعي مفقود فلأنّ الداعي إلى الفعل إمّا أن يكون داعي الحاجة أو داعي الحكمة ؛ لأنّ الفعل إن كان قبيحا وفعله العالم به كان محتاجا إليه إذا كان حكيما ، وإن كان (٣) حسنا كان الداعي إليه داعي الحكمة ، ولا شكّ في أنّ الله تعالى ليس بمحتاج ، والحكمة غير موجودة في فعل القبيح فلا داعي له إليه ، وأمّا الكبرى فظاهرة.
وقد احتجّت الأشعريّة بوجوه :
الأوّل : أنّ الله تعالى كلّف بما لا يطاق وهو قبيح ؛ أمّا الأوّل فلأنّه كلّف أبا لهب بالإيمان مع علمه بأنّه لا يؤمن ، وخلاف معلوم الله محال ، وأيضا فقد أخبر عنه بأنّه لا يؤمن ، فلو آمن لزم الكذب ، وأيضا فقد كلّفه بتصديقه في إخباره ، ومن جملة ما أخبر عنه أنّه لا يؤمن فقد كان مكلّفا بأن يؤمن وبأن لا يؤمن.
الثاني : أنّ الله تعالى فعل القدرة والداعي ، وهما يوجبان الفعل ، وفاعل السبب فاعل المسبّب ، وفاعل (٤) القبيح هو الله تعالى.
الثالث : أنّه قد علم من الكافر أنّه لا يؤمن ثمّ كلّفه ، فذلك التكليف إمّا أن يكون
__________________
(١) في «س» : (فإنّ).
(٢) في «س» : (بالقبح).
(٣) (كان) لم ترد في «ف».
(٤) في «ب» «ف» : (ففاعل).