التوبة يسقط العقاب ، فيلزم أن يكون سقوط العقاب عند التوبة إغراء بالقبيح ، ولمّا كان ذلك باطلا قطعا فكذا هاهنا.
لا يقال : الجواب عن الأوّل أنّ العقاب يستحيل اشتماله على شيء من المفاسد ، لأنّ الله تعالى أخبر عن ثبوته ، وما أخبر الله عن ثبوته يكون ثابتا ، وعن الثاني أنّ الفاسق لا يقطع بتوبته (١) بعد الذنب ، بل يجوز البقاء وعدمه ، وهذا التجويز زاجر له عن فعل الذنب.
لأنّا نقول : أمّا الجواب عن الأوّل فهو اعتراف بأنّ استحقاق العقاب سمعيّ لا عقليّ ، وأمّا الثاني فلأنّا نقول : التردد في العفو وعدمه زاجر له عن فعل الذنب ، فإن كفى الأوّل كفى الثاني.
قال :
وما يذكر في القرآن من الخلود والأبديّة متأوّل ، لأنّ العبد يستحقّ الثواب (٢) قبل فسقه وبعده (٣) إن لم يستحقّ العقاب فهو مطلوبنا ، وإن استحقّ فلا يزيل الثواب ، لأنّه إمّا أن يزيل الثواب السابق من الطاري شيئا ، وهو مذهب أبي هاشم وهو الموازنة (٤) له ، أو لا يزيل وهو الإحباط مذهب أبي علي.
والأوّل باطل للزوم الدور ، ولأنّهما إن كانا متضادّين لم يمكن زوال الطاري وإلّا اجتمع النقيضان ، فإذا زال السابق لم يزل شيء ، ولأنّهما إذا تعاونا لم يكن إزالة
__________________
(١) في «ب» «د» «ر» : (ببقائه).
(٢) في «ب» «د» «ر» : (مستحق للثواب) بدل من : (يستحقّ الثواب).
(٣) في «ب» «د» «ر» : (ومعه).
(٤) الموازنة مقابلة الثواب والعقاب ويسقط استحقاق الأقل منهما بالأكثر ، ويسقط من الكثير ما يقابل الأوّل منها (الحدود والحقائق للمرتضى : ١٧٥).