أقول : اختلف المتكلّمون في كيفيّة إفادة النظر للعلم (١) ، فقالت المعتزلة : إنّه يولّد العلم لأنّ كلّ فعل يصدر من الحيوان لا بتوسّط يسمّونه مباشرة كالاعتماد ، وكلّ ما يصدر عنه بتوسّط يسمّونه تولّدا كالحركة عنه بتوسّط الاعتماد ، فالناظر (٢) يحصل منه العلم بتوسّط النظر ، فهو متولّد ، وهو واجب وجوب المعلول عند (٣) العلّة التامّة (٤) (٥).
وقالت الأشاعرة : إنّه بالعادة ، لأنّ مذهبهم أن لا مؤثّر في الممكنات إلّا الله تعالى ، فإذا قارن الشيء (٦) دائما لا يكون أحدهما مؤثّرا في الآخر ، بل الله تعالى أجرى عادته بخلق (٧) ذلك الشيء عقيب الآخر على سبيل الإمكان. ويمكن أن لا يخلق (٨) العلم عقيب النظر الصحيح (٩).
وقوله : «لأنّه ممكن» إشارة إلى استدلالهم على أنّ العلم من الله تعالى (١٠) ، وإنّما
__________________
(١) في «أ» «ر» «س» «ف» : (العلم).
(٢) في «أ» «س» : (والناظر) ، وفي «ب» : (فالنظر) ، وفي حاشيتها : (أي الناظر).
(٣) في «س» زيادة : (وجود).
(٤) المغني في أبواب التوحيد والعدل (النظر والمعارف) : ٧٧.
(٥) الناظر علّة مرتبة في النظر ، والنظر علّة مرتبة في النتيجة ، وعلّة العلّة علّة ، والناظر علّة في النتيجة لكن علّة معدة لأنّه بتوسطه.
(٦) في «ب» «ج» : (للشيء).
(٧) في «ب» : (على).
(٨) في «ف» : (يختلف).
(٩) شرح المقاصد للتفتازاني ١ : ٢٣٦.
(١٠) فإنّهم يقولون : هذا ممكن ، وكلّ ممكن فإنّه صادر من الله تعالى على سبيل الاختيار ، فهذا صادر من الله تعالى على سبيل الاختيار.