إنّ الكفر بالأشخاص يعني إعلان البراءة منهم ، لأنّ هذه المفردة (الكفر) ذات معانٍ خمسة حسب الروايات الإسلامية ، أحدها كفر البراءة ، ولم تكتفِ بذلك بل أضافت : (وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ العَدَاوَةُ وَالبَغضَاءُ أَبداً حَتّى تُؤْمِنُوا بِاللهِ وحدَهُ).
وإنّ هذه التعابير (البراءة أوّلاً ثمّ إعلانها ثمّ الإعلان عن العداوة الدائمة) لشاهد صريح على صلابة الموحّدين تجاه القذرين الملوثين بالشرك وعبادة الأوثان ، وحينما نلاحظ أنّ القرآن يذكر كلام النبي إبراهيم عليهالسلام وأتباعه كقدوة للمسلمين فإنّ ذلك يعني أنّ الإسلام لا يعرف أيّة مهادنة بين التوحيد والشرك في أيّة مرحلة.
ومن التعمّق في تعبير الآية تنكشف الأهمّية البالغة لهذه القضيّة ، فالتعبير بـ (قومهم) دليل على أنّ غالبية القوم هم من عبدة الأصنام وأنّ الموحّدين قليلون ، ويبدو أنّ هذا الحوار جرى في (بابل) ، التي هي مركز عبدة الأصنام في ظلّ سلطة الطاغية (النمرود) ، ولم تعمد هذه المجموعة الصغيرة المؤمنة إلى مسايرة الوضع السائد ، ولم تعمل بالتقيّة تجاه المشركين في مسألة التوحيد.
ففي جانب تقول : (إِنَّا بُرَآءُ مِنْكُمْ).
وفي جانب آخر : (كَفَرْنَا بِكُمْ ...).
وفي ثالث : (نتبرّأ مِن أصنامكم).
ومن جهة : (انّا نعتبركم أعداءً لنا).
ومن أخرى : (إنّا نُكِنُّ لكم العداء).
وفي كلّ جملة من الآية تعبير جديد عن عدم المداهنة والمسالمة.
والفرق بين (العداوة) و (البغضاء) ـ كما هو المستفاد من كلمات اللغويين ـ هو أنّ (العداوة) لها جانب عملي في الغالب ، أمّا (البغضاء) فلها جانب قلبي ، وإن استعمل كلّ منهما مكان الآخر.
وبهذا أعلنوا أنّهم بُراءٌ من الشرك بكلّ وجودهم وصامدون أمامه مهما كانت الظروف ، وينبغي أن يكون ذلك اسوة حسنة لكلّ المؤمنين في العصور كلّها.