إنّ هذه الآيات تبلَّغ نداء الفطرة إلى الغافلين من بني الإنسان عن طريق واضح وتوصل الإنسان إلى حيث لا يوجد صخب عالم الأسباب ولا الغرق في لذّات الحياة.
نعم في مثل هذه البيئة الطبيعية والهادئة يسمع نداء الوجدان الذي يلقّنه درس معرفة الله وعبادة الواحد ولكن هذا النداء يضعف ويعجز عن بلوغ الأسماع حينما يمتليء الجوّ بصخب اللذّات الماديّة وعالم الأسباب.
هذه الآيات الشريفة تمسك بيد الإنسان تارةً وتلقي به في وسط الأمواج العاتية وتمسك بيده تارةً اخرى لتودعه خلف قضبان السجن وميدان الأمراض المستعصية وطرق مسدودة تبعث اليأس في الحياة ، مكان تخمد فيه أصوات الشياطين من الجنّ والإنس ويسمع فيه نداء الوجدان والفطرة فقط ، ما أجمل وأروع هذا النداء وهذا الصوت!
* * *
الآية الثالثة تخاطب المشركين وتدعوهم إلى فطرة عبادة الواحد ، وبتعبير آخر تقول : (قُلْ أَرَأَيْتَكُم إِنْ اتَاكُمْ عَذَابُ اللهِ أَوْ اتَتْكُمُ السَّاعَةُ اغَيْرَ اللهِ تَدْعُونَ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقينَ).
والمراد من عذاب الله هو عذاب الدنيا والمراد من (أتتكم الساعة) هو ظهور أشراط الساعة (وهي علامات نهاية العالم الموحشة جدّاً وابتداء يوم القيامة) التي أخبر عنها القرآن الكريم في آيات عديدة واعتبرتها مقرونة بالخوف والوحشة الشديدَين.
إنّ الكثير من المشركين ـ طبعاً ـ لم يؤمنوا بالقيامة وأشراط الساعة غير أنّهم كان بوسعهم تصديق نزول العذاب الإلهي وذلك بملاحظة الآثار التي خلّفتها الامم السابقة في أطراف الحجاز والجزيرة العربية ، وهذا هو أحد أساليب الفصاحة حيث يبيّن القائل قضيّة صادقة لا يتقبّلها المخاطب مقرونة بما يقبله في عبارة واحدة كي يثبتا معاً.
ولا ينتظر القرآن ليستمع إجابتهم عن هذا السؤال بل يجيب عنه بما ينبغي عليهم بيانه ويقول : (بَل إِيَّاهُ تَدْعُونَ فَيَكْشِفُ مَا تَدْعُونَ إِلَيهِ ان شَاءَ وَتَنْسَوْنَ مَا تُشْرِكُونَ).
وقد أسلفنا أنّ الكثير من المفسّرين فسّر جملة (أرأيتكم) بمعنى (أخبروني) ، ولكن