وأذاقها حلاوة اللطف والرحمة فإنّها ستبقى شاكرة ومدينة ورهينةً للطفه ، ولكنّها بعد الخلاص من المضائق تنسى ـ في الغالب ـ كلّ عهودها وتعهّداتها ، كما يشير إلى ذلك ذيل الآية : (قُلِ اللهُ يُنَجِّيكُمْ مِّنْها وَمِنْ كُلِّ كَرْبٍ ثُمَّ أَنْتُمْ تُشْرِكُونَ) (١).
وكما ذكرنا فإنّ هذه الحالة هي حالة أغلب المشركين ، وأمَّا الفئة التي لها قابلية أكبر فإنّها تتيقّظ بصورة دائمة وتبصر طريقها وتهجر الشرك.
من مجموع الآيات التي ذكرت تظهر هذه الحقيقة وهي : أنّ القرآن الكريم لا يعدّ غريزة المعرفة الإلهيّة في الإنسان أمراً فطريّاً وحسب بل يعتبر الإيمان بوحدانيته من الامور الفطرية أيضاً ، وبما أنّ الفطرة الأصيلة في الإنسان تتعرّض في الغالب إلى حجاب الرسوم والعادات والأفكار المنحرفة والتعاليم المغلوطة فينبغي انتظار تلك الساعة التي تزول فيها هذه الحجب ، من هنا فإنّ القرآن يشير إلى لحظات حسّاسة في حياة الإنسان وذلك عندما تزول الحجب بواسطة عواصف الأحداث ويبقى الإنسان وفطرته وصريح وجدانه فيدعو حينئذٍ ربّه لوحده ويزول عنه ما سواه ، ويدلّ هذا جيّداً على أنَّ عبادة الواحد والتوحيد مستودعة في أعماق روحه ، وفي هذا المجال مرّت بحوث تكميلية اخرى في أوّل الكتاب في بحث الفطرة والمعرفة الإلهيّة.
* * *
__________________
(١) «الكرب» يعني الغمّ والهمّ الشديد.