والتعبير بـ «ظلمات البرّ والبحر» تعبير جميل يمكن أن يكون إشارة إلى الظلام الظاهري الذي يحدث في الليل أو عند هبوب الأعاصير والرياح المحملة بالغبار وعند ظهور السحب السوداء في السماء ، وهذا الظلام مرعب ومخيف وخاصّة إذا كان في البحر والصحراء ، أو حصول الخوف من هجوم الحيوانات الوحشية في الصحراء.
ويمكن أن يكون له ـ كما ذكر ذلك بعض المفسّرين ـ معنى كنائي فيشمل المشكلات والشدائد والآلام (١).
كما يحتمل تضمّن الآية الظلامين : الظلام الظاهري الذي يفرض الوحشة على الإنسان والظلام المعنوي الموحش المؤلم أيضاً ، وعلى كلّ حال فإنّ هذه الآلام تحصل في السفر غالباً ، والآية تقصد هذا المعنى أيضاً.
والتعبير بـ «تضرّعاً وخفية» تعبير جميل أيضاً لأنّ (التضرّع) يعني الدعاء والطلب الصريح وإظهار التذلّل (٢) ، في حين تشير (خفية) إلى الدعاء الكامن في أعماق القلب ، ويحتمل أن يقصد التعبيران الحالتين في الإنسان ، حيث يدعو الله في قلبه حينما تبدو ظلمات المشكلات ، وعندما يُبتلى بمشكلات عويصة وكبيرة يقوم بإظهار ما في قلبه ويتضرّع إلى الله ويلتمسه.
ومن المحتمل أن يقصد هذا التعبير حالات الفئات المختلفة ، فبعضها تدعو الله جهاراً في مثل هذه الأحوال وبعضها تدعوه خفاءً وكأنّها تشعر بالخجل أمام الأصنام! أو من الناس الذين عرفوا أنّها تعبد الأصنام فلماذا لا تلجأ إلى الأصنام في المشكلات؟! على كلّ حال فإنّها ترجع إلى فطرتها في مثل هذه الأحوال وتستضيء قلوبها بنور التوحيد وعبادة الواحد ، وترفض كلّ ما سواه وتنسى كلّ ما يذكرها به وتستيقن بأنّ الأصنام ليست أهلاً ، وعبارة الأصنام لا فائدة فيها ولا سبيل إلّاالتوحيد.
في مثل هذه الأحوال تعاهد الله وتنذر وتتعهّد بأنّه إذا نجاها من هذه الشدائد والآلام
__________________
(١) تفسير الميزان ، ج ٧ ، ص ١٣٦ ؛ وتفسير في ظلال القرآن ، ج ٣ ، ص ٢٦٩.
(٢) مفردات الراغب : تضرّع ، أظهر الضراعة.