آلهتهم من الحجر والخشب والمعادن وهي موجودات أرضية ، فهل بإمكان هذه الموجودات أن تكون خالقة للسماوات الواسعة وأن تكون الحاكمة والمدبّرة والمديره لها؟!
ثمّ تضيف الآية في مقام الاستدلال على بطلان عقيدتهم : (لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلَّا اللهُ لَفَسَدَتَا).
«فساد» : يعني في الأصل ـ كما يقول الراغب في المفردات : خروج الشيء عن حدّ الإعتدال كثيراً أم قليلاً ، في الروح أو الجسم أو الأشياء الاخرى في العالم ، ويقابله الصلاح.
و (الفساد) هنا يعني الدمار والخراب واللانظام والهرج والمرج ....
وتضيف الآية في آخرها ـ كاستنتاج : (فَسُبْحانَ اللهِ رَبِّ العَرْشِ عَمَّا يَصِفُونَ).
وخلاصة الاستدلال هي : لو تعدّد المدير والمدبّر والخالق والحاكم والمتصرّف في هذا العالم فإنّ العالم لا يمكن أن يتّسم بالنظام والتناسق ، وذلك لانتهاء التعدّد في الآلهة إلى تعدّد التدبير والتصرّف ، وبذلك يختلّ عالم الوجود ويتعرّض للفساد والدمار حيث يريد كلّ واحد منهما تطبيق نظام العالم على مشيئته وإرادته.
وهنا يرد هذا الإشكال المعروف وهو : ما المانع من تعاضد الآلهة الحكمية فيما بينها لإيجاد نظام واحد منسجم؟ والإجابة على ذلك ستأتي في الإيضاحات بإذن الله.
* * *
الآية الثالثة والأخيرة التي نبحثها تقدّم هذا البرهان في إطار جديد حيث تقول : (مَا اتَّخَذَ اللهُ مِنْ وَلَدٍ وَمَا كانَ مَعَهُ مِنْ إِلهٍ).
ولو كان كذلك فإنّ كلّ إله ينفرد بمخلوقاته الخاصّة ويفرض عليها تدبيره وتصرّفه الخاصّ ، وسوف تكون الأنظمة المختلفة والقوانين اللامنسجمة هي الحاكمة على العالم ، وسيكون هو السبب في وانهيار الوحدة والتعادل في العالم : (إِذاً لَّذَهَبَ كُلُّ إِلهٍ بِمَا خَلَقَ).
ويكفي هذا الدليل على إثبات وحدانيته تعالى حيث يتألّف من المقدّمتين المشار إليهما سالفاً وهما : إنَّ عالم الوجود منظم ومترابط الأجزاء وتحكمه قوانين معيّنة (هذا من جهة)