(هل يَنْظُرُونَ إِلَّا أنْ يَأتِيَهُمُ اللهُ فى ظُلَلٍ مِنَ الغَمامِ والمَلائِكَةُ) (١).
وقد اضطرب المفسّرون بشدّة في تفسير هذه الآية ، فقد عدّها بعضهم من متشابهات القرآن فيلزم تفسيرها في ضوء المحكمات (٢) ، وقد ذكر البعض سبعة تفاسير لها (٣).
وكان تصوّرهم عن مضمون الآية هو أنّه سيأتي اليوم الذي يأتي فيه الله والملائكة في ظلّ الغيوم ، ولا ينسجم هذا المعنى قطعاً مع ما يستفاد من آيات القرآن الصريحة في أنّه ليس بجسم ولا يمكن مشاهدته ولذا يجب تأويله.
في حين أنّ مضمون الآية شيء أخر ، والمراد منه هو الإستفهام الإنكاري ويشبه قولنا للذين يتماهلون في تحصيل العلم : أتتوقّع أن يُجعل العلم لقمة سائغة توضع في فمك؟! إن هذا التوقع ليس في محلّه.
إنَّ الآية أعلاه تقول أيضاً : هل أنّهم يتوقّعون أن يأتي الله والملائكة للقائهم ويقفون أمامهم ويشهدون لهم؟! إنّه توقّع خاطئ وفي غير محلّه ، فليس الله بجسم ولا مكان ولا رواح أو مجيء له ، وبهذا ليس في الآية ـ كما نلاحظ ـ مشكلة خاصّة حتّى تحتاج إلى تأويل وتفسير معقّد أو أن تحسب من المتشابهات.
وتقول الآية في آخرها مهدّدة هذه الفئة المعاندة بالعقاب الشديد : (وَقُضِىَ الْأَمرُ) ، وكان العذاب متحقّق الآن ، ولذا جاءت بصيغة الفعل الماضي ثمّ تقول : (وَإِلَى اللهِ تُرجَعُ الامُورُ) ، وليس لأحد القدرة على مواجهته وليس لأحد أن يقاوم أمره ، وإذا تعلّقت مشيئته بعقوبة جماعة فكأنّها متحقّقة.
هل يتعلّق هذا التهديد بيوم القيامة أو الدنيا أم الإثنين معاً؟ لا يبعد أن يتعلّق بالإثنين ، لأنّ الآية ذات مفهوم واسع ولا يوجد دليل على تحديده بعذاب الدنيا أو الآخرة.
يتّضح ممّا أوردناه في تفسير الآيات المذكورة بأنّ الميل إلى الحسّ وتأثيره في تكوين
__________________
(١) يقول الفخر الرازي في التفسير الكبير : ج ٥ ، ص ٢١٢ اتّفق المفسّرون على أنّ أحد معاني (النظر) هو الانتظار.
(٢) تفسير الميزان ، ج ٢ ، ص ١٠٥.
(٣) تفسير الكبير ، ج ٥ ، ص ٢١٣ ـ ٢١٦.