إنَّ هؤلاء غافلون حقّاً ، فليس الله في السماء وليس في رفع اليد في الدعاء إشارة إلى مركزه ، بل إنّ رفع اليد يعني التسليم والإضطرار ، أو كما ورد في بعض الروايات إنّ السبب هو نزول النعم الإلهيّة من السماء ، فالمطر وضوء الشمس ـ وهما العمدة في حياة كلّ موجود حي ـ مصدرهما من السماء والتوجّه إلى السماء توجّه إلى الخالق العظيم لهذه النعم.
وعلى كلّ حال ، ما لم ينضج الإنسان فكرياً يصعب زوال آثار الشرك عنه ، فبنو اسرائيل الذين تربّوا في مدرسة التوحيد سنين طوال عند نبي من اولي العزم موسى عليهالسلام وشاهدوا آثار عظمته بأعينهم عند نجاتهم من قبضة الفراعنة واجتيازهم النيل ، وبمجرّد مرورهم على عبدة الأصنام وملاحظتهم الأصنام رجعوا وطالبوا موسى عليهالسلام بأن يجعل لهم صنماً ، فواجههم موسى بردّ فعل شديد وندموا على مقالتهم ، ولم يمض وقت طويل عندما توجّه موسى عليهالسلام إلى جبل الطور بصورة مؤقتة لكي يأخذ الألواح وأحكام الشريعة حتّى استغلّ السامري هذه الغيبة ليصنع لهم صنماً ودعا بني اسرائيل لعبادته ، فترك أكثرهم طريق التوحيد وركعوا لعجل السامري وبقيت فئة قليلة مع أخ موسى (هارون) ملتزمةً بنهج التوحيد وهذا يشير إلى أنّ القادة السائرين في طريق التوحيد وخصوصاً أمام الأقوام المتخلّفة التي ترعرعت في أجواء الشرك يواجهون مشكلات كبيرة ، وغسل آثار الشرك أساساً من القلوب ليس باليسير ويحتاج إلى تربية فكرية وتربية ثقافية صحيحة.
* * *