كمظهر وصورة عن الملائكة لكي تقرّبنا إلى الله ، بينما قالت فئة اخرى بأنّ الأصنام هي القبلة لنا لدى عبادة الله كما يستقبل المسلمون القبلة عند العبادة ، وقد اعتقدت فئة اخرى بأنّ كلّ صنم يقترن به شيطان وكلّ من يعبد الصنم ويؤدّي حقّ عبادته فإنّ ذلك الشيطان يلبّي حوائجه بأمر الله وإن لم يعبده فإنّ الشيطان يسيء إليه (١) ، وإلى ما شاكل من هذه الخرافات والأوهام.
* * *
وتشير الآية الثانية إلى عقيدة اخرى عند المشركين حيث تقول : (وَاتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللهِ آلِهةً لَعَلَّهُم يُنصَرُونَ) ، وذلك من أجل أن تبادر إلى حلّ مشاكلهم وإعانتهم في الإبتلاءات والحروب والأمراض ، وتدفع عنهم خطر الجوع والقحط والجفاف ، وتدافع عنهم في الآخرة ؛ ويا له من خطأ فادح!؟ فإنّ القضيّة كانت معكوسة حيث يهرعون لإنقاذ أصنامهم من الأخطار ويحفظونها من الأعداء والناهبين! كما نقرأ في قصّة إبراهيم عليهالسلام : (قَالُوا حَرِّقُوهُ وَانصُرُوا آلِهَتَكُم إِن كُنتُم فَاعِلِينَ). (الأنبياء / ٦٨)
إنَّ اعتقادهم بأنَّ الأصنام تحميهم وتعينهم لم يكن سوى خيال ووهم قطعاً ، ولهذا الإعتقاد سببٌ في الإنحطاط الفكري والتخلّف الثقافي ، وهذا الأمر هو أحد مصادر الشرك على مرّ التاريخ.
وقد طرحت الآية الثالثة هذا المضمون بشكل آخر حيث تقول : (وَاتَّخَذُوا مِن دُونِ اللهِ آلِهةً لِّيَكُونُوا لَهُم عِزّاً) ، وليس المراد من العزّة هو السمعة ، بل اكتساب القوّة والنصر والشفاعة من عند الله ، وكان هذا أيضاً وليداً لتوهّمهم ، ولذا نلاحظ في هذه الآية من سورة مريم نفسها بأن حُجب الأوهام حينما تزول ويتنبّهُ العقل فإنّ المشركين يدركون خطأهم الفظيع وسرعان ما ينكرون عبادة الأصنام وينقمون عليها ، كما ورد بإنّ المشركين يقولون يوم القيامة : (وَاللهِ رَبِّنَا مَا كُنَّا مُشرِكِينَ). (الأنعام / ٢٣)
* * *
__________________
(١) بلوغ الإرب ، ج ٢ ، ص ١٩٧.