وهذا الجواب وإن كان مخجلاً إلّاأنّهم لم يملكوا شيئاً ليقدّموه.
وفي طول هذه الآيات يردّهم إبراهيم عليهالسلام بمنطق رصين : (قَالَ أَفَرَأَيتُم مَّا كُنتُم تَعبُدُونَ* أَنتُم وآباؤكُمُ الْأَقْدَمُونَ* فَإِنَّهُم عَدُوٌ لِّى إِلَّا رَبَّ العَالَمِينَ* الَّذِى خَلَقَنِى فَهُوَ يَهْدِينِ* وَالَّذِى هُوَ يُطعِمُنِى ويَسقِينِ* وَاذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشفِينِ* وَالَّذِى يُمِيتُنِى ثُمَّ يُحيِينِ* وَالَّذِى أَطْمَعُ أَن يَغْفِرَ لِى خَطِيئَتِى يَومَ الدِّينِ). (الشعراء / ٧٥ ـ ٨٢)
أي أنّه أهل للعبادة فهو المبدىء لكلّ الخيرات والبركات ، لا تلك الموجودات الخاوية والفاقدة للقيمة.
* * *
وتنقلُ الآية الثالثة كلاماً لقوم فرعون وفيها انعكاس لهذا المضمون بشكل آخر حيث تقول : (قَالُوا اجِئْتَنَا لِتَلْفِتَنَا عَمَّا وَجَدْنَا عَلَيهِ آبَاءَنَا وَتَكونَ لَكُمَا الكِبْرِيَاءُ فِى الْأَرْضِ) (١) وعليه (وَمَا نَحنُ لَكُمَا بِمُؤمِنِينَ).
انّهم استندوا ـ في الحقيقة ـ إلى هذه النقطة فقط لإثبات صحّة مسلكهم وقداسته وهي أنّ هذا هو طريق الأسلاف ودينهم وعادتهم ، ولكي يتّهموا موسى وهارون بأنّهما يتآمران قالوا : إنّكما تبغيان الحكومة عن طريق الدعوة إلى التوحيد وهدم الشرك وعبادة الأصنام من أساسها ولا نسمح بذلك! ويبدو أنّ هذا الكلام القي من قبل زبانية فرعون حيث عارضوا دعوة موسى وهارون للتوحيد بطريقين شيطانيين :
أحدهما : هو إثارة العواطف لدى عامّة الناس الجاهلين وذلك بالتحذير من أنّ دين أسلافهم في خطر، والآخر : هو إثارة سوء الظنّ فيهم بوصف دعوة موسى وهارون أنّها تجري وفق مخطّط مسبق للوصول إلى الحكم وإلّا فإنّها لا واقعية لها.
وقد استخدم هؤلاء الجبابرة والطغاة هذين الطريقين لاستغفال الناس ومواصلة حكمهم
__________________
(١) «لتلفتنا» من «لفت» وهو الصرف عن الشيء أو الإلفات إلى الشيء لو تعدّت ب (من) فإنّها تعني الإنصراف وب (إلى) فإنّها تعني (التوجّه).