ولذا يحتمل أن يكون مرادهم هو صفات الفعل كالخالقية والرازقية ، لأنّ الله قبل أن يخلق موجوداً ويرزقه لا معنى للخالقية أو الرازقية بالنسبة إليه (طبعاً كان قادراً على الخلق والرزق ولكن القدرة على شيء غير إيجاده) إلّاأنّ البحث في توحيد الصفات لا يرتبط بصفات الفعل والكلام هو في صفات الذات كالعلم والقدرة ، وكما سيأتي مفصّلاً بأنَّ صفات الفعل مستقلّة عن صفات ذات الله ، فصفات الفعل شيء ينتزعه العقل بعد مشاهدة أفعال الله وينسبها إلى الله (سنقرأ تفصيل ذلك لاحقاً).
وأوضح إشارة في باب إثبات وحدة الصفات في الآيات القرآنية هي الآية القائلة : (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَىْءٌ) و (قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ ...) التي تقدّم تفسيرها وتدلّ على أنّ ذاته المقدّسة لا تتّصف بأيّة إثنينية.
ويمكن في الاستدلالات العقلية الاستناد إلى بعض النقاط :
١ ـ ثبت في الأبحاث السابقة أنّ الله غير متناهٍ من جمع الجهات ولذا لا توجد خارج ذاته أيّة صفة كمال ، فكلّ ما يوجد مجموع في ذاته ، وعندما نرى أنّ صفاتنا حادثة أو أنّها غير ذاتها فإنّ السبب هو أنّنا موجودات محدودة ، ولهذه المحدودية تكون الأوصاف والكمالات خارج ذواتنا وهي ممّا نكتسبها أحياناً ، أمّا ذات الله وهو الكمال المطلق فأي صفة يمكن تصوّرها خارج ذاته المقدّسة؟
٢ ـ لو قلنا بأنّ صفاته مضافة إلى ذاته أو إعتقدنا بأنّ صفاته كالعلم والقدرة منفصلة عنه فإنّ النتيجة هي التركيب (تركيب من الجوهر والعرض بل عوارض متعدّدة) في حين ثبت مسبقاً أنّه لا سبيل لأي تركيب في ذاته خارجياً أو عقليّاً.
وقد أشار أمير المؤمنين عليهالسلام إلى هذا المضمون في الخطبة الاولى من نهج البلاغة بعبارة جميلة جدّاً في باب توحيد الصفات :
«وكمال الإخلاص له نفي الصفات عنه ، لشهادة كلّ صفة أنّها غير الموصوف ، وشهادة كلّ موصوف أنّه غير الصفة ، فمن وصف الله سبحانه فقد قرنه ، ومن قرنه فقد ثنّاه ، ومن ثنّاه فقد جزّأه ، ومن جزّأه فقد جهله».
* * *