والملاحظ أنّ الآية تنسب الهداية إلى الله عزوجل ، فلولا التوفيق والإمداد الإلهي لما كان لأحد أن يبلغ الهدف بقدرته ، في حين تنسب الضلالة لهم لأنّها نتيجة أعمالهم.
* * *
الآية الثانية توافق الآية الاولى بعبارة اخرى وتقول كقضيّة عامّة وخالدة : (وَمَا ارسَلنَا مِنْ قَبلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِىَ الَيهِ انَّهُ لَاالَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ).
والملفت أنّ (نوحي) فعل مضارع ويدلّ على الاستمرار ، أي إنّنا أوحينا التوحيد في العبادة إلى كلّ نبي وقد أُمِر جميع الأنبياء بإبلاغ ذلك طيلة دعوتهم.
وعليه فإنّ هذه المسألة استمرّت أصلاً أساسياً في تاريخ الأنبياء عليهمالسلام.
* * *
الآية الثالثة تنقل كلاماً عن أوّل نبي من اولي العزم وهو شيخ الأنبياء نوح عليهالسلام الذي لم تتضمّن دعوته منذ بدايتها نداء سوى نداء التوحيد في العبادة ونبذ عبادة الأصنام حيث يقول : (لَقَدْ ارسَلْنَا نُوحاً الَى قَومِهِ فَقَالَ يَاقَومِ اعبُدُوا اللهَ مَا لَكُم مِنْ الهٍ غَيرُه).
ويستفاد من هذه الجملة بأنّ الشرك وعبادة الاصنام كان ولا يزال أسوأ شوكة في طريق سعادة البشرية ، والأنبياء الذين يمثّلون الرعاة لبستان التوحيد كانوا يهتّمون قبل كلّ شيء بزرع وبرعاية زهور الفضيلة في روح البشر ويقتلعون الأشواك التي تعترض طريقهم بسلاح التوحيد ، وخاصّة في عصر نوح عليهالسلام ، كما يستفاد من الآية ٢٣ من سورة نوح حيث كانت هناك أصنام عديدة ومتنوّعة بإسم (ود ، وسواع ، ويغوث ، ويعوق ، ونسر).
وكانت على هيئة رجل ، وامرأة ، وأسد ، وفرس ، ونِسر على التوالي ، وكانوا يعبدونها بجميع وجودهم ، ولمّا رأى نوح منهم العناد والإصرار هدّدهم بعذاب الله ، كما نقرأ في ذيل الآية : (انِّى اخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَومٍ عَظِيمٍ) ، أي إنّي أخاف عليكم عاقبة الشرك.
والظاهر أنّ المراد من اليوم العظيم هو يوم الطوفان الذي لم يحدث نظيره في تأريخ