آية البحث الثانية عشرة والأخيرة تشير إلى الكلام الأخير في هذا البحث وهو أنّ التوحيد في العبادة لا يختصّ بالبشر بل : (وَللهِ يَسجُدُ مَنْ فِى السَّماوَاتِ وَالارضِ طَوْعاً وَكَرْهاً وَظِلَالُهُم بِالغُدُوِّ وَالآصَالِ).
«مَنْ» : وان كانت إشارة إلى العقلاء عادةً ولذا يعتقد جمع من المفسّرين بأنّ آية البحث تقصد بني الإنسان والملائكة وأمثالهم ، إلّاأنّ في الآية قرائن تدلّ على أنّ هذه الكلمة تشير إلى الموجودات كلّها وتعمّ العاقل وغير العاقل والنبات والجماد ، والمراد من السجدة ما يعمّ السجدة التكوينية (غاية الخضوع والتسليم في الموجودات تجاه قانون الخلق) والسجدة التشريعية (السجود والعبادة الإعتيادية) لأنّ :
أوّلاً : التعبير بـ (طوعاً وكرهاً) دليل على عمومية الآية.
ثانياً : إشتراك (ظلال) في هذه السجدة والعبادة العامّة دليل آخر على هذا المعنى.
ثالثاً : ورد هذا المعنى بجلاء في آيات قرآنية اخرى : (وَللهِ يَسجُدُ مَا فِى السّماوَاتِ وَمَا فِى الارضِ). (النحل / ٤٩)
وهكذا في الآية : (وَالنَّجمُ والشَّجَرُ يَسجُدَانِ). (الرحمن / ٦)
وعلى هذا فإنّ موجودات الكون كلّها وبدون استثناء لها سجود تكويني وتسليم للأوامر الإلهيّة ، ومن بينها المؤمنون حيث لهم ـ مضافاً إلى السجود التكويني الذي لا يتّصف بالإختيار ـ سجود اختياري تشريعي أيضاً.
وتعميم هذا الحكم إلى (ظلال) تعبير كبير المعنى ، لأنّ الظلال تتّصف بالعدم في الواقع (لأنّ الظلّ هو المكان الذي لا يسقط الضوء عليه) ولكن بما أنّ الظلال تابعة للأجسام في وجود النور فإنّ لها قسطاً ضعيفاً من الوجود ، ويقول القرآن : إنّ هذه الأعدام الشبيهة بالوجود تسجد لله أيضاً فكيف بالموجودات الحقيقية؟ وهذا يشابه العبارة التي نقولها وهي أنّ عداوته لفلان بلغت إلى حدّ أنّه يرمي ظلّه بالسهم.
ثمّ إنّ الظلال تسقط عادة على الأرض والتعبير بالسجود أليق بها.
وما تقوله الآية : (بالغُدُوِّ وَالْآصَالِ) فانّه من الممكن أن يكون وصفاً خاصّاً للظلال ،