ونعلم كذلك أنّ بعض الأدوية في عصرنا الراهن تستخرج من سموم الحيوانات ولهذا الغرض يُربّى كثير من الأفاعي والحيوانات السامّة الاخرى ، وعلى هذا فإنّ ابرها وسمومها ليست شرّاً مطلقاً ، وستأتي تفاصيل أكثر حول هذا الموضوع في بحث العدل ، بإذن الله.
* * *
٢ ـ خطوة اخرى على طريق الشرك
في هذا الموضوع انحرفت مجموعتان إسلاميتان هما (الأشاعرة) و (المعتزلة) أي المفوّضة ، المجموعة الاولى تتبع «أبا الحسن الأشعري» المتوفّى عام ٣٢٤ ه وقد أنكرت التأثير والعلّة والمعلول في عالم الخلق إنكاراً تامّاً وتقول : إذا كانت النار محرقة فانّه مجرّد تصوّر ولا غير! فالمحرق الأصلي هو الله ، ولكن إرادته حكمت بشكل إذا مسّت النار ـ مثلاً ـ يد الإنسان فإنّ الله يوجد الإحتراق مباشرة في يده! وبهذا النحو أنكروا عالم العلّة والمعلول تماماً واعتبروا الله تعالى علّة لكلّ شيء مباشرة دون واسطة.
إنّهم أنكروا هذه القضيّة المحسوسة بل والأكثر من المحسوسة (١) بسبب إيمانهم بأنّ الإعتقاد بوجود عالم الأسباب يخلّ في توحيد الخالقية.
بسبب هذا الخطأ الكبير تعرّضت مجموعة الأشاعرة إلى انحراف كبير آخر وهو أنّها تعتبر أفعال الإنسان وأعماله مخلوقة لله أيضاً ، وهذا أسوء أنواع الجبر!
وبعبارة اخرى أنّه شيء أعلى من الجبر لأنّ الأشاعرة يقولون : لسنا نحن الفاعلين للأعمال الصالحة والسيّئة بل إنّ الخالق لها كلّها هو الله سبحانه ، فهي في الحقيقة أعماله المباشرة لا أعمالنا الجبرية (فتأمّل جيّداً) ، وفي النقطة المقابلة يقف المعتزلة الذين لا يعتقدون بوجود تأثير للأسباب والعلل فحسب بل يعتبرونها مستقلّة في تأثيراتها ، فمثلاً أنّ الله خلق بعض الأنبياء والأولياء وأوكل إليهم أمر الخلق ، كما يعتقدون أنّ الإنسان مستقلّ
__________________
(١) ليس لقانون العلّية بعد حسّي فقط بل يمكن التوصّل إليه عن طريق الوجدان والعلم الحضوري ، لأنّ كلّ شخص يرى بوضوح أنّ روحه توجد الإرادة والتفكير.