الآية الرابعة تتحدّث عن ربوبية الله للعرش ولكنّها تبدأ بحاكمية الله وتقول : (فَتَعَالَى اللهُ المَلِكُ الحَقُّ).
وهذه جملة تكمّل ما ورد في الآية السابقة لها وفيها : (أَفَحَسِبْتُم انَّمَا خَلَقنَاكُم عَبَثاً وَانَّكُم الَينَا لَاتُرجَعُونَ). (المؤمنون / ١١٥)
ويستفاد منها بأنّه لولا المعاد والقيامة فإنّ خلق الإنسان يكون عبثاً ، لأنّ الحياة لعدّة أيّام في الدنيا ليست هدفاً سامياً للخلق وهذا من الدلائل المهمّة للمعاد ، سيكون لنا حديث مفصّل عنها في بحث المعاد بإذن الله.
ثمّ تضيف الآية : (لَاالهَ إِلَّا هُوَ رَبُّ العَرشِ الْكَرِيمِ).
«ملك» : يعني الحاكم والمالك ، ولا يصدق ذلك بمعناه الحقيقي إلّافي الله سبحانه لأنّه من شؤون الخالقية ومستلزماتها ولعدم وجود خالق سواه فانّه لا مالك ومَلك غيره.
ولذا تصفه الآية بعبارة (الحقّ) ، ثمّ تحصر المعبود فيه لأنّ العبادة تليق بالملك الحقّ وتكمل ذلك بوصفه بـ (رَبُّ العَرشِ الْكَرِيمِ) ، هذه الصفات الأربع جاءت لدعم عقيدة المعاد والقيامة الواردة في الآيات السابقة.
«العرش الكريم» : إشارة إلى عالم الوجود كلّه ، لأنّ العرش يعني كرسي السلاطين العالي ، وكرسي الحكومة الإلهيّة كناية عن مجموعة عالم الخلق وعلى هذا ينسجم مع جملة : (رَبُّ كُلِّ شَيءٍ) التي جاءت في الآيات السابقة ، واتّصاف العرش ب (الكريم) الذي يعني الشريف والمفيد والجيّد بسبب أنّ كرسي الحكومة الإلهيّة مصداق كامل لهذه الصفات.
ولكن بعضاً اعتقد أنّ (الكريم) يعني الصاحب الكريم ، ولأنّ هذا المعنى لا يصدق في العرش فإنّ هذه الصفة تكون لذات الله المقدّسة لا العرش ، في حين أنّ كريم يمكن أن يكون وصفاً لغير الموجودات العاقلة أيضاً مثل : (لَهُم مَّغفِرَةٌ وَرِزقٌ كَرِيمٌ). (الحج / ٥٠) أي كثير الفائدة والشريف (١).
* * *
__________________
(١) هنا أبحاث مفصّلة في معنى «العرش» في اللغة والقرآن الكريم ومنها في تفسير الأمثل ، ذيل الآية ٥٤ من سورة الأعراف وذيل الآية ٣ من سورة يونس.