أمر الخلق والرزق والموت والحياة لسائر الموجودات في العالم.
وأفضل ما قيل عن هذه العقيدة هوماذكره العلّامة المجلسي رحمهالله في مرآة العقول : «ثم اعلم أنّ التفويض يطلق على معانٍ بعضها منفي عنهم عليهمالسلام وبعضها مثبت لهم ، فالأوّل : إنّ التفويض في الخلق والرزق والتربية والإماتة والإحياء ، فإنّ قوماً قالوا : إنّ الله خلقهم وفوّض إليهم أمر الخلق فهم يخلقون ويرزقون ويحييون ويميتون وهذا يحتمل وجهين :
أحدهما : أن يقال : إنّهم يفعلون جميع ذلك بقدرتهم وإرادتهم وهم الفاعلون لها حقيقة وهذا كفر صريح ، دلّت على استحالته الأدلّة العقليّة والنقلية ولا يستريب عقل في كفر من قال به.
وثانيهما : إنّ الله تعالى يفعلها مقارناً لإرادتهم كشقّ القمر وإحياء الموتى وقلب العصا حيّة وغير ذلك من المعجزات ، فانّها جميعها إنّما تقع بقدرته سبحانه مقارناً لإرادتهم لظهور صدقهم فلا يأبى العقل من أن يكون الله تعالى خلقهم وأكملهم وألهمهم ما يصلح في نظام العالم ثمّ خلق كلّ شيء مقارناً لإرادتهم ومشيئتهم ، وهذا وإن كان العقل لا يعارضه بتاتاً لكن الأخبار الكثيرة ممّا أوردناها في كتاب (بحار الأنوار) يمنع من القول به فيما عدا المعجزات ظاهراً بل صريحاً» (١).
وعليه فإنّ الاحتمال الثاني غير محال عقلاً ، إلّاأنّ الأدلّة النقلية لا ترتضيه ، وقد كثرت الامور التي ليست محالة عقلاً ولكن الشرع يرفضها ، فمن الممكن ـ مثلاً ـ أن يكون عدد الأنبياء أو الأئمّة أكثر من المعروف إلّاأنّ الأدلّة النقلية قد حدّدت أعدادهم بما نعلمه.
وهناك احتمال ثالث وهو أنّ الله عزوجل يوهب النبي أو الإمام قدرة يستطيع بها إحياء الميّت أو إبراء المريض من مرضه المستعصي بإذنه والظاهر من الآيات القرآنية حول السيّد المسيح هو ما ذكرنا ، وهذا كلّه ممكن أيضاً بالنسبة للمعصومين ، ولكن كما وردت في العبارات المذكورة تكون هذه المسألة في إطار المعجزات والكرامات فقط ، لا في مورد خلق السماء والأرض وتدبير امور الكائنات ، لأنّ القرآن الكريم قد صرّح في حصر أمر الخلق والتدبير والربوبية في الله عزوجل ، والآيات التي ذكرناها في هذا الفصل حول
__________________
(١) مرآة العقول ، ج ٣ ، ص ١٤٣ (باختصار).