ولكنّا نعلم أنّ نزول الآيات في موارد خاصّة لا يحدّد مفاهيمها الكلّية بتلك الموارد ، وعليه فإنّ الآيات هذه تشمل جميع الذين يحكمون بغير ما أنزل الله.
إنَّ صدق الظلم والفسق فيمن يرتكب هذه المعصية واضح ولكن الحكم بالكفر يكون في حالة الردّ لحكم الله والإعتقاد ببطلانه ، لأنّ ذلك أمّا إعتقاد يلازمه إنكار الذات المقدّسة أو علمه وحكمته وعدله ، وهذا يستوجب الكفر قطعاً ، وهكذا إذا رجع إنكار هذا الحكم إلى إنكار القرآن أو رسالة نبي الإسلام صلىاللهعليهوآله.
ولكنّه إذا حكم بغير ما أنزل الله فقط وكان المنشأ فيه هوى النفس مثلاً لا إنكار التوحيد أو النبوّة فانّه لا يستوجب الكفر.
وقد ورد في قوله تعالى : (فَاحْكُمْ بَينَهُم بِمَا أَنْزَلَ اللهُ). (المائدة / ٤٨)
وقوله تعالى : (وَأَنِ احْكُمْ بَينَهُم بِما أَنْزَلَ اللهُ). (المائدة / ٤٩)
وقوله تعالى : (أَفَحُكْمَ الجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللهِ حُكْماً لِّقَوْمٍ يُوقِنُونَ). (المائدة / ٥٠)
إنّ الآيات الستّ هذه تؤكّد على هذا المعنى وهو (الحكم حكم الله فقط).
إنّ هذه التعابير المختلفة وهذا التأكيد المثالي الذي ورد في هذه الآيات الستّ في سورة واحدة وبصورة متقاربة لدليل على هذه الحقيقة وهي أنّه لا يحقّ التشريع لأي مقام إلّاالله ، وكلّ من يفتي أو يقضي أو يحكم على خلاف حكم الله فانّه يقترف إثماً عظيماً وظلماً وينزع عنه ثوب الإيمان أيضاً.
بهذه يثبت توحيد الحاكمية التشريعية وحصر التشريع في ذات الله المقدّسة وحصر الحكم في حكم الله.
* * *
الآية الخامسة تتحدّث عن مقام القضاء وتعتبره من مختصّات رسول الله صلىاللهعليهوآله (الذين ينصبون من قبله أئمّة بالمعنى المطلق أو في خصوص القضاء) وتقول : (فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيَما شَجَرَ بَينَهمْ ثُمَّ لَايَجِدُوا فِى أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيماً).