امِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا إِلهاً وَاحِدَاً لَاإِلهَ إِلَّا هُوَ سُبْحانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ). ومن المسلّم به أنّ اليهود والنصارى لم يعتقدوا بالوهية علمائهم ورهبانهم ولم يعبدوهم كما نعبد الله تعالى أبداً ، فلماذا إذن استعمل القرآن الكريم كلمة (ربّ) و (إله) فيهم؟!
وردت الإجابة عن ذلك في رواية عن الإمام الباقر عليهالسلام والإمام الصادق عليهالسلام : «أما والله ما صاموا لهم ولا صلّوا ولكنّهم أحلّوا لهم حراماً وحرّموا عليهم حلالاً فاتّبعوهم وعبدوهم من حيث لا يشعرون» (١).
وقد ورد هذا الحديث بطرق متعدّدة اخرى في المصادر الشيعية والسنّية ومنها ما نقرأه في كتب عديدة : «عن عَدي بن حاتم قال : أتيت رسول الله صلىاللهعليهوآله وفي عنقي صليب من ذهب فقال : ياعدي : اطرح عنك هذا الوثن وسمعته يقرأ آية : اتّخذوا أحبارهم ورهبانهم أرباباً من دون الله. فقلت له : يارسول الله لم يكونوا يعبدونهم فقال : أليس يحرّمون ما أحلّ الله تعالى فيحرّمونه ويحلّون ما حرّم الله فيستحلّونه؟ فقلت : بلى، قال : ذلك عبادتهم» (٢).
وبهذا يتّضح أنّ اتّباع وإطاعة أشخاص يأمرون على خلاف حكم الله يكون لوناً من الشرك.
* * *
الآية العاشرة والأخيرة تخاطب جميع البشر : (أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُم يَابَنِى آدَمَ أَنْ لَاتَعبُدُوا الشَّيْطَانَ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌ مُّبِينٌ) (وَأَنِ اعْبُدُونِى هَذَا صِرَاطٌ مُّسْتَقِيمٌ).
ومن المسلّم به أنّه لا أحد يعبد الشيطان بمعنى الركوع والسجود والصلاة والصيام ، فما هي العبادة التي نُهي عنها؟ هل هي شيء غير الطاعة؟ أجل ، إنّهم حينما يستسلمون لما يريده الشيطان ويقدّمون أمره على أمر الله فانّهم مشركون وعبّاد الشيطان ، والشرك هنا
__________________
(١) تفسير مجمع البيان ، ج ٥ ، ص ٢٣ ؛ وتفسير البرهان ، ج ٢ ، ص ١٢٠ و ١٢١.
(٢) تفسير روح المعاني ، ج ١٠ ، ص ٧٥ وورد هذا المعنى في تفاسير متعدّدة اخرى منها تفسير درّ المنثور بفارق طفيف.