فواجب الوجود يكون وجوده ذاتياً ، وذاته المقدّسة غير محتاجه إطلاقاً ، في حين لا يملك الممكن في ذاته شيئاً فهو محتاج.
وبهذا يُعد احتياج الممكن إلى العلّة من القضايا البديهية والأوّلية والتي لا تحتاج إلى إقامة البرهان ، ومن يتردّد في هذا الأمر فإنّ ذلك يعود إلى عدم الفهم الجيّد لمفهوم الممكن.
ثمّ يُطرح هذا السؤال : ما هو سبب احتياج الممكن إلى العلّة؟ هل السبب هو الوجود أو مسألة الحدوث؟ أي هل أنّ الأشياء تحتاج إلى العلّة بسبب كونها حادثة أو بسبب كونها موجودة؟ أو أنَّ الملاك الأصل وهو (الإمكان)؟ وبناء على هذا الدليل فإنّ الإحتياج إلى العلّة يجب أن لا يبحث في أصل وجود الشيء أو في حدوثه ، بل إنّ العلّة الأساسية هي الإمكان.
ولا ريب في أنّ الإجابة الصحيحة والدقيقة هي الإجابة الثالثة ، لأنّنا إذا ـ بحثنا عن معنى الإمكان وجدنا أنّ الإحتياج إلى العلّة متحقّق فيه ، لأنّ ـ (الممكن) وجود (غير اقتضائي) أي أنّ ذاته لا تقتضي الوجود ولا العدم.
وبملاحظة هذا الإستواء الذاتي يكون في وجوده وعدمه بحاجة إلى عامل ولذا فإنّ الفلاسفة يقولون بأنَّ حاجة الممكن أوّلية ، «حاجة ممكن الوجود إلى العلة أمرٌ بديهي».
ويُستنتج من ذلك أنّ حاجة الممكن إلى واجب الوجود لا تقتصر على ابتداء الوجود فحسب ، بل هي ثابتة في مراحل البقاء كلّها لثبوت الإمكان في حقّ الممكن دائماً لذا فإنّ الحاجة إلى العلّة أمر باقٍ وثابت.
وللمثال على ذلك فانّنا حينما نمسك القلم ونحرّكه على قرطاس نجد أنّ حركة القلم تحتاج إلى محرّك من الخارج ويتمثّل في أصابعنا ، فما دامت الحركة في اليد والأصابع فإنّ القلم يتحرّك كذلك ، ويتوقّف بتوقّفها.
وأوضح من ذلك ما يوجد في أفعال أرواحنا ، فحينما نعزم على العمل ببرنامج ما نجد أنّ الإرادة والعزم ـ وهما من فعل الروح ـ يرتبطان بها ويختفيان حال انقطاع هذا الارتباط.
إنّنا مرتبطون بوجود الله كذلك وَهذا الوجود الإرتباطي لا يستقرّ لحظة واحدة بدون ذلك.