في مجالات كثيرة وموضوعات مختلفة يتيقّن بأنّ لكلّ حادثة علّة وبهذا يكتشف قانون العلّية بشكله العادي البسيط ، وبتقدم عمره وبواسطة التجارب التي يمرّ بها سواء على صعيد الحياة الاعتيادية أو على صعيد العلوم والأفكار ـ سيدرك سعة هذا القانون وقوّته أكثر فأكثر (كما يصل إلى هذا المبدأ وهو أنّ لكلّ حادثة علّة عن طريق الفلسفة).
نحن لا نقول بأنّ تعاقب حادثين يعني العلّية بل نقول إنّ القضيّة لابدّ من تكرارها حتّى يتّضح وجود علاقة بينهما ، وأنّ الثاني تابع للأوّل.
والظاهر أنّ القائلين : إنّ قانون العلّية خاضع للتجربة. يذهبون إلى أنّ الإنسان يتوصّل إلى الجذور والاصول عن طريق التجربة والحسّ ومن ثمّ يكتشف علاقة العلّية من خلال (التحليل العقلي) ، وهو في الحقيقة يتوصل إلى مقدّمة من خلال (الحسّ) واخرى من خلال (العقل) وذلك لأنّ القوانين الكلّية توجد في العقل بصورة بديهية ، ودور الحسّ هو إدراك الموضوعات المتفرقة ثمّ يقوم العقل بجمعها فيتوصّل إلى النتائج.
ويتصوّر البعض أنّ مبدأ العلّية ـ هو عبارة عن علم حصولي ـ يستحصل من العلم الحضوري (النفس) بالنسبة إلى (أفعال النفس).
وفي توضيح كلامهم هذا يقولون أنّ الروح الإنسانية تحسّ بامور في أعماقها تابعة لها وقائمة بها كالتصوّر والأفكار والإرادات والقرارات .. هذه كلّها أفعال الروح الإنسانية ومعلولة لها ، ومن خلال العلاقة بين هذه الأفعال والروح يمكن أن نكتشف قانون العلّية ، ثمّ يستندون في ذلك إلى قول لإبن سينا حيث يقول : «فإنّا ما لم نثبت وجود الأسباب لمسبّبات من الامور بإثبات أنّ لوجودها تعلّقاً بما يتقدّمها في الوجود ، لم يلزم عند العقل وجود السبب المطلق ، وأنّ ههنا سبباً ما ، وأمّا الحسّ فلا يؤدّي إلّاإلى الموافاة وليس إذا توافى شيئان وجب أن يكون أحدهما سبباً للآخر ... (١).
ولا شكّ في أنّ هذا خطأ كبير ومن المستبعد أن يقصد ابن سينا هذا المعنى لأنّ هذه التحليلات بشأن الروح وأفعالها هي من اختصاص الفلاسفة لا عموم الناس ، في حين أنّ
__________________
(١) الشفاء ، الفصل ١ ، مقالة الإلهيات الاولى ، ص ٨.