هو (الأوّل) أي هو الأزلي دون أن تكون له بداية ، وهو (الآخر) أي الأبدي الذي لا نهاية له ، وهو (الظاهر) أي البيّن دون أن يكون خافياً على أحد ، وهو (الباطن) أي أنّ ذاته ليست ظاهرة لأحد (لعدم قدرة الموجودات المحدودة كالإنسان على إدراك الحقيقة اللامتناهية) دون أن يكون محجوباً عن عباده.
ولذا فانّه سبحانه عالم بكلّ شيء لأنّه موجود في البداية ، وسوف يبقى حتّى النهاية وحاضر في ظاهر العالم وباطنه.
وهناك تفسيرات متعدّدة ذكرها المفسّرون في تفسير الصفات الأربع : (الأوّل) و (الآخر) و (الظاهر) و (الباطن) إلّاأنّها غير متنافية ويمكن جمعها في مفهوم الآية.
فتارةً قالوا : إنّه الأوّل قبل وجود أي شيء وهو الآخر بعد هلاك كلّ شيء ، ودلائل وجوده ظاهرة ولا يمكن إدراك باطن ذاته.
وتارةً قالوا : هو الأوّل ببرِّه حيث هدانا ، والآخر بعفوه حيث يقبل التوبة ، والظاهر بإحسانه وتوفيقه عند طاعته والباطن في ستر عيوب العباد عند المعصية (الأوّل ببرّه إذ هداك والآخر بعفوه إذْ قبل توبتك ، والظاهر بإحسانه وتوفيقه إذا أطعته ، والباطن بستره إذا عصيته) (١) وقد ورد أنّ النبي صلىاللهعليهوآله كان يقول في دعائه : «اللهمّ أنت الأوّل فليس قبلك شيء ، وأنت الآخر فليس بعدك شيء ، وأنت الظاهر فليس فوقك شيء وأنت الباطن فليس دونك شيء» (٢).
على أيّة حال ، فإنّ الآية الكريمة أعلاه ، في عين إثباتها بطلان أفكار الصوفية في استقلالية الخالق عن المخلوق والمخلوق عن الخالق ، فإنّها تبيّن حقيقة وهي أنّ الذات الإلهيّة المقدّسة مطلقة ولا نهاية ولا حدود لها.
أي هو وجود بلا عدم ، ولو أنّا تدبّرنا حقيقة الوجود جيّداً ونزهناه من العدم فسوف نصل إلى ذاته المقدّسة ، وهذا جوهر برهان الصدّيقين وروحه.
__________________
(١) راجع تفاسير مجمع البيان ؛ الميزان ؛ الكبير ؛ روح البيان.
(٢) تفسير القرطبي ، ج ٩ ، ص ٦٤٠٦.