فإنّا سوف نبيّنه قدر الإمكان بتعبيرات واضحة دون استعمال الإصطلاحات الفلسفية.
ويجب الانتباه قبل كلّ شيء إلى أنّ مزايا برهان الصدّيقين تتمثّل في عدم التطرّق إلى الدور والتسلسل أو معرفة المؤثّر من خلال الأثر ، ومن المخلوق إلى الخالق ، ومن الممكن إلى الواجب في إثبات وجود الله ، بل هو تحليل للوجود نفسه وحقيقة الوجود ، وبذلك نصل إليه من خلال ذاته ، وهذا هو المهمّ (وان لوحظ وجود خلط في عبارات البعض بين هذا الاستدلال واستدلال الوجوب والإمكان وبرهان العلّة والمعلول ـ كما بيّناه في السابق ـ ووضعوا بعضها موضع البعض الآخر) (١).
وقد ذكرت تعاريف مختلفة لبرهان الصدّيقين منها : (تقدير صدر المتألّهين في الأسفار ، ثمّ المحقّق السبزواري في حاشية الأسفار ، ثمّ المرحوم العلّامة الطباطبائي في نهاية الحكمة وغيرهم في كتب اخرى) ، والبيان الأوضح والأنسب دون الرجوع إلى استعمال برهان الوجوب والإمكان ، والعلّة والمعلول وبدون الاستناد إلى مسألة الدور والتسلسل أن يقال :
إنّ حقيقة الوجود هي (العينية) في الخارج ، وبتعبير آخر هي (الواقعية) وعدم قبول العدم ، لأنّ كلّ شيء لا يتقبّل ضدّه ، وبما أنّ (العدم) ضدّ (الوجود) فحقيقة الوجود ـ إذن ـ ترفض العدم.
ومن هنا نستنتج أنّ (الوجود) ذاتاً هو (واجب الوجود) أي أزلي أبدي ، وبتعبير أخر إنّ التدبّر في حقيقة (الوجود) يرشدنا إلى أنّ (العدم) لا ينفذ إليه أبداً ، وكلّ ما لا يطاله العدم فانّه واجب الوجود (فتأمّل جيّداً).
وأمّا صدر المتألّهين ـ وهو من السابقين إلى هذا الاستدلال ـ فيقول : «واعلم أنّ الطرق إلى الله كثيرة لأنّه ذو فضائل وجهات كثيرة ، «ولكلٍّ وجهةٍ هو مولّيها» لكن بعضها أوثق وأشرف وأنور من بعض ، وأشدّ البراهين وأشرفها إليه هو الذي لا يكون في الوسط في البرهان غيره بالحقيقة ، فيكون الطريق إلى المقصود هو عين المقصود وهو سبيل
__________________
(١) راجع نهاية الحكمة ، ص ٢٦٨ ، وشرح مختصر المنظومة ص ٨ و ٩ للشهيد المطهّري.