تكون شاملة وعامّة إلى هذه الدرجة وخاصّة بين جماعة بعيدة عن العلم والفكر.
من هنا فإنّا نعتقد أنّ الآيات الخمس أو أمثالها تشكّل أدلّة على التوحيد الفطري.
ولذا يقول صاحب تفسير «روح البيان» في ذيل الآية ٩ من سورة الزخرف :
«وفي الآية إشارة إلى أنّ في جبلة الإنسان معرفة لله مركوزة» (١).
وفي تفسير «الفخر الرازي» في ذيل الآية ٨٧ من سورة الزخرف عرض لهذا المضمون على صورة سؤال وجواب فيقول : «ظنّ قوم أنّ هذه الآية وأمثالها في القرآن تدلّ على أنّ القوم مضطرون إلى الإعتراف بوجود الإله للعالم ، وقوم إبراهيم قالوا : (وَانَّا لَفِى شَكٍّ مِّمَّا تَدعُونَنَا إِلَيهِ). (ابراهيم / ٩)
فيقال لهم : لا نسلّم أنّ قوم فرعون كانوا منكرين لوجود الإله ، والدليل على قولنا ، قوله تعالى : (وَجَحَدُوا بِهَا واستَيقَنَتْهَا أَنفُسُهُم ظُلماً وَعُلُواُ). (النمل / ١٤)
وجاء في قوله تعالى حيث قال موسى عليهالسلام لفرعون : (لَقَد عَلِمْتَ مَا أَنزَلَ هَؤُلَاءِ إِلَّا رَبُّ السَّمَاواتِ وَالأَرضِ بَصَائِرَ). (الاسراء / ١٠٢)
فالقراءة بفتح التاء في علمت تدلّ على أنّ فرعون كان عارفاً بالله ، وأمّا قوم إبراهيم عليهالسلام حيث قالوا : (وَإِنَّا لَفِى شَكٍّ مِّمَّا تَدعُونَنَا إِلَيهِ) فهو مصروف إلى إثبات القيامة وإثبات التكاليف وإثبات النبوّة» (٢).
وفي التعبير ب (لقد علمت ....) إشارة واضحة إلى هذا المعنى.
والطريف أنَّ آيتين من هذه الآيات تذكران في النهاية بعد أخذ الإقرار من الكفّار والمشركين بأنَّ الله هو الخالق للإنسان والأرض والسماوات : (فَأَنِّى يُؤفَكُونَ) (٣).
وبناء الجملة للمجهول إشارةٌ إلى أنَّ ذواتهم تسير في طريق الفطرة ، غير أنَّ أسباباً خارجية وهي (شياطين الجنّ والإنس) ، وأسباباً داخلية وهي (أهواء النفس والعصبية
__________________
(١) تفسير روح البيان ، ج ٨ ، ص ٣٥٣ ، ذيل الآية ٨٧ من سورة الزخرف إشارة إلى هذا المعنى أيضاً.
(٢) التفسير الكبير ، ج ٨ ، ص ٣٩٩ ، ج ٢٧ ، ص ٢٣٣.
(٣) «تؤفكون» مشتق من «الإفك» ويعني الإرجاع والحرف ولذا يطلق «الإفك» على الكذب أيضاً كما تطلق «المؤتفكات» على الرياح المعارضة.