يذهب إلى هذا التفسير جمع من المفسّرين كصاحب تفسير (المنار) و (في ظلال القرآن) ونقلوا ذلك عن الكثير من المفسّرين (١).
وبهذا يكون (عالم الذرّ) هو عالم الجنين ويكون السؤال والجواب بلسان الحال لا القال ؛ ولهذا الأمر شواهد ونظائر كثيرة وردت في كلمات العرب وغيرهم ؛ كما نقل السيّد المرتضى في كلامه عن بعض الحكماء حيث يقول : «سَل الأرض من شقّ أنهارك وغرس أشجارك وجنى ثمارك؟ فإنْ لم تُجبك حواراً أجابتك اعتباراً».
هذاالقول يشابه ما ذكره جمع من المفسّرين حول الحمد والتسبيح اللذين يعمّان موجودات العالم حتّى الجمادات أيضاً.
٣ ـ المراد من (عالم الذرّ) هو (عالم الأرواح) ويعني ذلك أنّ الله عزوجل خلق في البداية أرواح البشر قبل أجسادهم ، وخاطبها وأخذ الإقرار منها على وحدانيته.
وقد استخلص هذا التفسير من بعض الروايات كما سنشير إليه.
والجدير ذكره أنَّ كلمة (ذرّية) في آية البحث مشتقّةٌ من (ذرّ) وهي تعني ذرّات الغبار الدقيقة ، أو النمل الدقيق أو أجزاء النطفة أو من (ذرْو) ويعني التفريق أو من (ذرْء) ويعني الخلق.
بناءً على ذلك لا نسلّم بأنّ الأصل في (ذرّية) هو (ذرّ) بمعنى الأجزاء الدقيقة (فتأمّل جيّداً).
٤ ـ إنَّ هذا السؤال والجواب وقع بين جمع من البشر وبين الله عزوجل بواسطة الأنبياء وبلسان القال حيث استمع جمع من البشر إلى أدلّة التوحيد ـ بعد ولادتهم وإكتمال عقولهم ـ من الأنبياء واستجابوا لها وقالوا (بلى).
فإنْ قيل إنّ (ذريّة) مشتقّة من (ذرّ) وتعني الاجسام الصغيرة جدّاً فلا تنجسم مع هذا المعنى ، فيردّ أصحاب هذا القول : بأنَّ أحد المعاني المعروفة لـ (ذريّة) هو الأبناء ـ صغاراً وكباراً ـ وأنّ إطلاق (ذريّة) على العقلاء والبالغين في القرآن الكريم ليس بالقليل.
__________________
(١) تفسير المنار ، ج ٩ ، ص ٣٨٧ (تعبيره ينسجم مع القول الخامس) ؛ تفسير في ظلال القرآن ، ج ٣ ، ص ٦٧١.